للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُعْلِمَ شَهْرًا لِأَخْذِ الزَّكَاةِ، وَسُنَّ أَنْ يَكُونَ الْمُحَرَّمَ لِأَنَّهُ أَوَّلُ السَّنَةِ الشَّرْعِيَّةِ، وَأَنْ يَسِمَ نَعَمَ زَكَاةٍ وَفَيْءٍ لِلِاتِّبَاعِ فِي مَحَلٍّ صُلْبٍ ظَاهِرٍ لِلنَّاسِ لَا يَكْثُرُ شَعْرُهُ، وَحَرُمَ الْوَسْمُ فِي الْوَجْهِ لِلنَّهْيِ عَنْهُ.

تَتِمَّةٌ: صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ سُنَّةٌ لِمَا وَرَدَ فِيهَا مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَتَحِلُّ لِغَنِيٍّ وَلِذِي الْقُرْبَى لَا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَحِلُّ لِكَافِرٍ وَدَفْعُهَا سِرًّا وَفِي رَمَضَانَ، وَلِنَحْوِ قَرِيبٍ كَزَوْجَةٍ وَصَدِيقٍ فَجَارٌ قَرِيبٌ فَأَقْرَبُ أَفْضَلُ، وَيَحْرُمُ بِمَا يَحْتَاجُهُ مِنْ نَفَقَةٍ وَغَيْرِهَا لِمُمَوِّنِهِ مِنْ نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ أَوْ لِدَيْنٍ لَا يَظُنُّ لَهُ وَفَاءً لَوْ تَصَدَّقَ بِهِ، وَتُسَنُّ بِمَا فَضَلَ عَنْ حَاجَتِهِ لِنَفْسِهِ وَمُمَوِّنِهِ يَوْمَهُ وَلَيْلَتَهُ وَفَصْلِ كِسْوَتِهِ وَوَفَاءِ دَيْنِهِ إنْ صَبَرَ عَلَى الْإِضَافَةِ وَإِلَّا كُرِهَ كَمَا فِي الْمُهَذَّبِ. وَيُسَنُّ الْإِكْثَارُ مِنْ الصَّدَقَةِ فِي رَمَضَانَ وَأَمَامَ الْحَاجَاتِ وَعِنْدَ كُسُوفٍ وَمَرَضٍ وَسَفَرٍ وَحَجٍّ وَجِهَادٍ، وَفِي أَزْمِنَةٍ وَأَمْكِنَةٍ فَاضِلَةٍ كَعَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ وَأَيَّامِ الْعِيدِ وَمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، وَيُسَنُّ أَنْ يَخُصَّ بِصَدَقَتِهِ أَهْلَ الْخَيْرِ وَالْمُحْتَاجِينَ وَلَوْ كَانَ التَّصَدُّقُ بِشَيْءٍ يَسِيرٍ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ: «اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ» وَقَالَ تَعَالَى {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: ٧] وَمَنْ تَصَدَّقَ بِشَيْءٍ كُرِهَ أَنْ يَتَمَلَّكَهُ مِنْ جِهَةِ مَنْ دَفَعَهُ إلَيْهِ بِمُعَاوَضَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، وَيَحْرُمُ الْمَنُّ بِالصَّدَقَةِ وَيَبْطُلُ بِهِ ثَوَابُهَا، وَيُسَنُّ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَا يُحِبُّهُ قَالَ تَعَالَى {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: ٩٢] .

ــ

[حاشية البجيرمي]

الزَّكَاةِ مِنْ ذَلِكَ الْقَدْرِ وَيَصِحُّ فِي الْبَاقِي تَفْرِيقًا لِلصَّفْقَةِ، ابْنُ حَجَرٍ. كَأَنْ بَاعَ مَا يُسَاوِي أَرْبَعِينَ مِثْقَالًا بِعِشْرِينَ مِثْقَالًا فَيَبْطُلُ الْبَيْعُ فِي رُبُعِ عُشْرِ الْمُحَابِي بِهِ، وَهُوَ مَا يُقَابِلُ نِصْفَ مِثْقَالٍ مِنْ الْعِشْرِينَ النَّاقِصَةِ مِنْ ثَمَنِهِ كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ، قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ.

قَوْلُهُ: (وَأَنْ يَسِمَ) مِنْ الْوَسْمِ بِالْمُهْمَلَةِ أَوْ الْمُعْجَمَةِ، وَهُوَ الْكَيُّ بِالنَّارِ، وَهُوَ جَائِزٌ لِحَاجَةٍ بِقَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ، وَكَذَا خِصَاءُ صِغَارِ الْمَأْكُولِ لِإِكْبَارِهِ وَلَا غَيْرِ الْمَأْكُولِ.

قَوْلُهُ: (نَعَمَ زَكَاةٍ وَفَيْءٍ) خَرَجَ نَعَمُ غَيْرِهَا، فَوَسْمُهُ مُبَاحٌ لَا مَنْدُوبٌ وَلَا مَكْرُوهٌ؛ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. قَالَ سم: مَحَلُّهُ إذَا كَانَ لِحَاجَةٍ وَإِلَّا حَرُمَ.

قَوْلُهُ: (صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ سُنَّةٌ) وَقَدْ يَعْرِضُ مَا يُحَرِّمُهَا كَأَنْ يَعْلَمَ مِنْ آخِذِهَا أَنَّهُ يَصْرِفُهَا فِي مَعْصِيَةٍ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ الْفَرْضِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَأَرَادَ بِالتَّطَوُّعِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ وَهُوَ مَا زَادَ عَلَى الْفَرْضِ فَلَا يُنَافِي قَوْلَهُ " سُنَّةٌ " وَسَقَطَ الِاعْتِرَاضُ بِأَنَّ الْإِخْبَارَ بِالسُّنَّةِ عَنْ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ لَا فَائِدَةَ فِيهِ. اهـ. م د. وَعِبَارَةُ س ل عَلَى الْمَنْهَجِ: وَدِرْهَمُ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ مِنْ دِرْهَمِ الْقَرْضِ، لِخَبَرِ ابْنِ مَسْعُودٍ: «وَمَنْ أَقْرَضَ مُسْلِمًا دِرْهَمًا مَرَّتَيْنِ كَانَ لَهُ كَأَجْرِ صَدَقَةٍ مَرَّةً» وَلَا يُعَارِضُهُ مَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: رَأَيْت مَكْتُوبًا عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي: الصَّدَقَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا وَالْقَرْضُ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ؛ فَقُلْت: يَا جِبْرِيلُ مَا بَالُ الْقَرْضِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّدَقَةِ؟ قَالَ: لِأَنَّ السَّائِلَ قَدْ يَسْأَلُ وَعِنْدَهُ مَا يَكْفِيهِ وَالْمُسْتَقْرِضُ لَا يَسْتَقْرِضُ إلَّا مِنْ حَاجَةٍ» لِأَنَّ الْخَبَرَ الْأَوَّلَ أَصَحُّ، وَانْفَرَدَ بِالثَّانِي خَالِدُ بْنُ زَيْدٍ الشَّامِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ. عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: الْقَرْضُ أَفْضَلُ مِنْ حَيْثُ الِابْتِدَاءُ لِمَا فِيهِ مِنْ صَوْنِ وَجْهِ مَنْ لَمْ يَعْتَدْ السُّؤَالَ، وَالصَّدَقَةُ مِنْ حَيْثُ الِانْتِهَاءُ لِمَا فِيهَا مِنْ عَدَمِ رَدِّ الْمُقَابِلِ اهـ بِحُرُوفِهِ. أَوْ يُقَالُ: إنَّ عَشَرَةَ الصَّدَقَةِ أَكْبَرُ مِنْ الثَّمَانِيَة عَشَرَ وَإِنْ كَانَ الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ أَكْثَرَ عَدَدًا كَمَا قَالُوهُ فِي الْخَمْسَةِ وَالْعِشْرِينَ دَرَجَةً وَالسَّبْعَةِ وَالْعِشْرِينَ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ.

قَوْلُهُ: (وَلِنَحْوِ قَرِيبٍ) سَوَاءٌ أَلْزَمْت الدَّافِعَ نَفَقَتَهُ أَمْ لَا، شَرْحُ الْمَنْهَجِ.

قَوْلُهُ: (وَتَحْرُمُ بِمَا يَحْتَاجُهُ) أَيْ إنْ لَمْ يَصْبِرْ عَلَى الْإِضَاقَةِ، وَإِلَّا فَلَا حُرْمَةَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: ٩] قَوْلُهُ: (وَفَصْلَ كِسْوَتِهِ) بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ مَنْصُوبٌ مَعْطُوفٌ عَلَى الظَّرْفِ. قَوْلُهُ: (وَوَفَاءِ دَيْنِهِ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ " لِنَفْسِهِ ". قَوْلُهُ: (وَإِلَّا كُرِهَ) أَيْ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ.

قَوْلُهُ: (وَيَحْرُمُ الْمَنُّ بِالصَّدَقَةِ) وَهُوَ تَعْدَادُ النِّعَمِ عَلَى الْمُنْعَمَ عَلَيْهِ، نَعَمْ إنْ كَانَ لِجَلْبِ مَصْلَحَةٍ أَوْ دَفْعِ مَفْسَدَةٍ لَمْ يُطْلَبْ تَرْكُهُ كَأَنْ وَجَدَ مِنْ الْمُنْعَمِ عَلَيْهِ سَبًّا لِلْمُنْعِمِ فَذَكَرَهَا لَهُ لِيَكُفَّهُ عَنْ ذَلِكَ، وَالْمَنُّ مِنْ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ مَحْمُودٌ ق ل.

<<  <  ج: ص:  >  >>