وَإِمْسَاكٌ عَنْ الْمُفْطِرَاتِ. .
وَيَجِبُ صَوْمُ رَمَضَانَ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ: بِإِكْمَالِ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا، أَوْ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا» وَوُجُوبُهُ مَعْلُومٌ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ، فَمَنْ جَحَدَ وُجُوبَهُ فَهُوَ كَافِرٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَرِيبَ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ أَوْ نَشَأَ بَعِيدًا عَنْ الْعُلَمَاءِ، وَمَنْ تَرَكَ صَوْمَهُ غَيْرَ جَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ كَمَرَضٍ وَسَفَرٍ كَأَنْ قَالَ: الصَّوْمُ وَاجِبٌ عَلَيَّ وَلَكِنْ لَا أَصُومُ حُبِسَ وَمُنِعَ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ نَهَارًا لِيَحْصُلَ لَهُ صُورَةُ الصَّوْمِ بِذَلِكَ. وَتَثْبُتُ رُؤْيَتُهُ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَرَهُ بِعَدْلِ شَهَادَةٍ «لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ: أَخْبَرْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
ــ
[حاشية البجيرمي]
وُجُودِ صُورَةٍ لِلصَّوْمِ فِي الْخَارِجِ كَمَا فِي نَحْوِ الْبَيْعِ بِخِلَافِ نَحْوِ الصَّلَاةِ ق ل.
قَوْلُهُ: (رَمَضَانَ) وَلَا يُكْرَهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ إطْلَاقُ رَمَضَانَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ لَفْظِ شَهْرٍ؛ وَإِنَّمَا سُمِّيَ هَذَا الشَّهْرُ بِهَذَا الِاسْمِ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ الرَّمَضِ وَهُوَ شِدَّةُ الْحَرِّ لِمَجِيئِهِ غَالِبًا فِي شِدَّةِ الْحَرِّ، أَوْ مِنْ الرَّمَضِ وَهُوَ الْإِحْرَاقُ لِرَمَضِ الذُّنُوبِ فِيهِ أَيْ إحْرَاقِهَا. قَوْلُهُ: (بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ) بَلْ بِأَحَدِ أُمُورٍ أَرْبَعَةٍ، وَالثَّالِثُ: ثُبُوتُ رَمَضَانَ عِنْدَ الْحَاكِمِ بِعَدْلِ شَهَادَةٍ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَرَهُ كَمَا سَيَأْتِي، وَالرَّابِعُ: ظَنُّ دُخُولِهِ بِالِاجْتِهَادِ فِيمَنْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ، كَأَنْ كَانَ أَسِيرًا أَوْ مَحْبُوسًا كَمَا سَيَأْتِي أَيْضًا.
قَوْلُهُ: (بِإِكْمَالِ شَعْبَانَ) لَوْ قَالَ: بِكَمَالِ، لَكَانَ أَوْلَى؛ وَالْعَطْفُ بِ " أَوْ " بَعْدَ الثَّنِيَّةِ جَائِزٌ اسْتِعْمَالًا. قَوْلُهُ: (أَوْ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ) أَيْ فِي حَقِّ مَنْ رَآهُ وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا.
قَوْلُهُ: (لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ) فَلَا أَثَرَ لِرُؤْيَتِهِ نَهَارًا، فَلَوْ رُئِيَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ يَوْمَ الثَّلَاثِينَ وَلَوْ قَبْلَ الزَّوَالِ لَمْ نُفْطِرْ وَلَا نُمْسِكْ إنْ رُئِيَ يَوْمَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ، مَرْحُومِيٌّ: وَالْغَايَةُ لَا تَظْهَرُ إلَّا فِي الثَّانِيَةِ.
قَوْلُهُ: (لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) دَلِيلٌ لِلْأَمْرَيْنِ. قَوْلُهُ: (صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ إلَخْ) أَيْ لِيَصُمْ كُلٌّ مِنْكُمْ وَيُفْطِرْ كُلٌّ مِنْكُمْ، فَهُوَ مِنْ بَابِ الْكُلِّيَّةِ أَيْ الْحُكْمِ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ.
قَوْلُهُ: (وَأَفْطِرُوا) بِهَمْزَةِ الْقَطْعِ. قَوْلُهُ: (لِرُؤْيَتِهِ) فِيهِ اسْتِخْدَامٌ؛ لِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي الْأَوَّلِ عَائِدٌ عَلَى هِلَالِ رَمَضَانَ، وَفِي الثَّانِي عَلَى هِلَالِ شَوَّالٍ، أَوْ الضَّمِيرُ الثَّانِي رَاجِعٌ لِلْمُقَيَّدِ وَهُوَ الْهِلَالُ بِدُونِ قَيْدِهِ وَهُوَ رَمَضَانُ.
قَوْلُهُ: «فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ» أَيْ اسْتَتَرَ عَنْكُمْ بِالْغَمَامِ ق ل. وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى هِلَالِ رَمَضَانَ، وَمِثْلُهُ إذَا غُمَّ هِلَالُ شَوَّالٍ فَيَكْمُلُ رَمَضَانُ ثَلَاثِينَ.
قَوْلُهُ: (مَعْلُومٌ مِنْ الدِّينِ) أَيْ مِنْ أَدِلَّةِ الدِّينِ، وَقَوْلُهُ " بِالضَّرُورَةِ " أَيْ عِلْمًا صَارَ كَالضَّرُورِيِّ فِي عَدَمِ خَفَائِهِ عَلَى أَحَدٍ. قَوْلُهُ: (فَهُوَ كَافِرٌ) أَيْ مُرْتَدٌّ. قَوْلُهُ (صُورَةُ الصَّوْمِ) أَيْ إنْ لَمْ يَنْوِهِ فَإِنْ نَوَاهُ حَصَلَ لَهُ حَقِيقَتُهُ. قَوْلُهُ: (وَتَثْبُتُ رُؤْيَتُهُ) أَيْ عِنْدَ الْحَاكِمِ فَلَا بُدَّ مِنْ حُكْمِهِ كَمَا فِي الْمَحَلِّيِّ وحج بِأَنْ يَقُولَ: حَكَمْت بِثُبُوتِ هِلَالِ رَمَضَانَ أَوْ ثَبَتَ عِنْدِي هِلَالُ رَمَضَانَ وَإِلَّا لَمْ يَجِبْ الصَّوْمُ، حَجّ.
قَوْلُهُ: (فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَرَهُ) أَمَّا مَنْ رَآهُ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا بِالنَّظَرِ لِنَفْسِهِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ، وَكَتَبَ ق ل عَلَى قَوْلِ الشَّارِحِ: وَتَثْبُتُ رُؤْيَتُهُ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَرَهُ إلَخْ، أَيْ مِمَّنْ مَطْلَعُهُ مُوَافِقٌ لِمَطْلَعِ مَحَلِّ الرُّؤْيَةِ بِأَنْ يَكُونَ غُرُوبُ الشَّمْسِ وَالْكَوَاكِبِ وَطُلُوعُهَا فِي الْبَلَدَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ غَرَبَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ أَوْ طَلَعَ فِي أَحَدِ الْبَلَدَيْنِ قَبْلَهُ فِي الْآخَرِ أَوْ بَعْدَهُ لَمْ يَجِبْ عَلَى مَنْ لَمْ يَرَ بِرُؤْيَةِ الْبَلَدِ الْآخَرِ، حَتَّى لَوْ سَافَرَ مِنْ أَحَدِ الْبَلَدَيْنِ إلَى الْآخَرِ فَوَجَدَهُمْ صَائِمِينَ أَوْ مُفْطِرِينَ لَزِمَهُ مُوَافَقَتُهُمْ سَوَاءٌ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ أَوْ آخِرِهِ وَهَذَا أَمْرٌ مَرْجِعُهُ إلَى طُولِ الْبِلَادِ وَعَرْضِهَا سَوَاءٌ قَرُبَتْ الْمَسَافَةُ أَوْ بَعُدَتْ، وَلَا نَظَرَ إلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَعَدَمِهَا. وَاعْلَمْ أَنَّهُ مَتَى حَصَلَتْ الرُّؤْيَةُ لِلْبَلَدِ الشَّرْقِيِّ لَزِمَ رُؤْيَتُهُ فِي الْبَلَدِ الْغَرْبِيِّ دُونَ عَكْسِهِ كَمَا فِي مَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ وَمِصْرَ الْمَحْرُوسَةِ، فَيَلْزَمُ مِنْ رُؤْيَتِهِ فِي مَكَّةَ رُؤْيَتُهُ فِي مِصْرَ لَا عَكْسُهُ؛ لِأَنَّ رُؤْيَةَ الْهِلَالِ مِنْ أَفْرَادِ الْغُرُوبِ، وَمَا ذُكِرَ عَنْ شَيْخِنَا م ر وَعَنْ السُّبْكِيّ وَغَيْرِهِ مِمَّا يُخَالِفُ هَذَا لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ وَلَا يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ. وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ: " وَأَقَلُّ مَا يَحْصُلُ بِهِ اخْتِلَافُ الْمَطَالِعِ فِي مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَنِصْفِهَا وَذَلِكَ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ فَرْسَخًا " غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ، بَلْ بَاطِلٌ وَكَذَا قَوْلُ شَيْخِنَا إنَّهَا تَحْدِيدٌ اهـ.
قَوْلُهُ: (بِعَدْلِ شَهَادَةٍ) وَإِنْ كَانَ الرَّائِي حَدِيدَ الْبَصَرِ كَمَا قَالَهُ ع ش عَلَى م ر، وَإِنْ قَالَ الْمُنَجِّمُونَ: إنَّ الْحِسَابَ الْقَطْعِيَّ قَدْ دَلَّ عَلَى عَدَمِ إمْكَانِ الرُّؤْيَةِ، خِلَافًا لِلْقَلْيُوبِيِّ الْقَائِلِ بِأَنَّهَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ حِينَئِذٍ وَحْدَهُ. وَإِذَا صُمْنَا بِرُؤْيَةِ عَدْلٍ ثَلَاثِينَ يَوْمًا أَفْطَرْنَا وَإِنْ لَمْ نَرَ الْهِلَالَ بَعْدَهَا وَلَمْ يَكُنْ غَيْمٌ وَلَا يَرِدُ لُزُومُ الْإِفْطَارِ بِوَاحِدٍ لِثُبُوتِ ذَلِكَ ضِمْنًا، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَقَوْلُهُ " وَلَا