للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَنِّي رَأَيْت الْهِلَالَ فَصَامَ وَأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ. وَلِمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ «أَنَّ أَعْرَابِيًّا شَهِدَ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِرُؤْيَتِهِ فَأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ» . وَالْمَعْنَى فِي ثُبُوتِهِ بِالْوَاحِدِ الِاحْتِيَاطُ لِلصَّوْمِ وَهِيَ شَهَادَةُ حِسْبَةٍ. قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ الْبَغَوِيّ: وَيَجِبُ الصَّوْمُ أَيْضًا عَلَى مَنْ أَخْبَرَهُ مَوْثُوقٌ بِهِ بِالرُّؤْيَةِ إذَا اعْتَقَدَ صِدْقَهُ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ عِنْدَ الْقَاضِي، وَيَكْفِي فِي الشَّهَادَةِ أَشْهَدُ أَنِّي رَأَيْت الْهِلَالَ، وَمَحَلُّ ثُبُوتِ رَمَضَانَ بِعَدْلٍ فِي الصَّوْمِ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ، وَتَوَابِعُهُ كَصَلَاةِ التَّرَاوِيحِ وَالِاعْتِكَافِ وَالْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ الْمُعَلَّقِينَ بِدُخُولِ رَمَضَانَ لَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ، كَدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ وَوُقُوعِ طَلَاقٍ وَعِتْقٍ مُعَلَّقَيْنِ بِهِ هَذَا كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ إنْ سَبَقَ التَّعْلِيقُ الشَّهَادَةَ. فَلَوْ حَكَمَ الْقَاضِي بِدُخُولِ رَمَضَانَ بِشَهَادَةِ عَدْلٍ ثُمَّ قَالَ قَائِلٌ: إنْ ثَبَتَ رَمَضَانُ فَعَبْدِي حُرٌّ أَوْ زَوْجَتِي طَالِقٌ وَقَعَا، وَمَحَلُّهُ أَيْضًا إذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِالشَّاهِدِ، فَإِنْ تَعَلَّقَ بِهِ ثَبَتَ لِاعْتِرَافِهِ بِهِ. تَنْبِيهٌ: يُضَافُ إلَى الرُّؤْيَةِ وَإِكْمَالِ الْعِدَّةِ ظَنُّ دُخُولِهِ بِالِاجْتِهَادِ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّ الْأَمَارَةَ الدَّالَّةَ كَرُؤْيَةِ الْقَنَادِيلِ الْمُعَلَّقَةِ بِالْمَنَائِرِ فِي آخِرِ شَعْبَانَ فِي حُكْمِ الرُّؤْيَةِ، وَلَا يَجِبُ الصَّوْمُ بِقَوْلِ الْمُنَجِّمِ وَلَا يَجُوزُ، وَلَكِنْ

ــ

[حاشية البجيرمي]

يَرِدُ " أَيْ لِأَنَّ شَوَّالَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِاثْنَيْنِ اهـ. وَهَذَا عَلَى طَرِيقَتِهِ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ هِلَالَ شَوَّالٍ يَثْبُتُ بِعَدْلٍ اسْتِقْلَالًا لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْعِبَادَةِ وَهِيَ فِطْرُ يَوْمِ الْعِيدِ لِوُجُوبِهِ وَالْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ؛ لِأَنَّ كُلَّ شَهْرٍ اشْتَمَلَ عَلَى عِبَادَةٍ يَثْبُتُ بِوَاحِدٍ بِالنَّظَرِ لِلْعِبَادَةِ وَلَوْ رَجَعَ عَنْ شَهَادَتِهِ بَعْدَ شُرُوعِهِمْ فِي الصَّوْمِ أَوْ بَعْدَ حُكْمِ الْحَاكِمِ وَلَوْ قَبْلَ شُرُوعِهِمْ لَزِمَهُمْ الصَّوْمُ م ر وسم. وَصَحَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ الْبَاطِنَةُ، وَهِيَ الَّتِي يَرْجِعُ فِيهَا إلَى قَوْلِ الْمُزَكِّينَ. وَخَرَجَ بِالْعَدْلِ الْفَاسِقِ، وَخَرَجَ بِإِضَافَتِهِ إلَى شَهَادَةِ عَدْلِ الرِّوَايَةِ كَعَبْدٍ وَامْرَأَةٍ.

قَوْلُهُ: (أَخْبَرْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ، يَدُلُّ لِذَلِكَ الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَهُ. وَعِبَارَةُ الشَّوْبَرِيِّ: قَوْلُهُ: " وَلِمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ إلَخْ " سَاقَهُ مَعَ الْأَوَّلِ لِيُبَيِّنَ بِهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِخْبَارِ الشَّهَادَةُ إذْ الْإِخْبَارُ لَا يَجِبُ بِهِ الصَّوْمُ عَلَى الْعُمُومِ. قَوْلُهُ: (وَهِيَ شَهَادَةُ حِسْبَةٍ) أَيْ فَلَا تَحْتَاجُ إلَى سَبْقِ دَعْوَى. قَوْلُهُ: (مَوْثُوقٌ بِهِ) أَيْ عِنْدَ الْمُخْبِرِ ح ل، وَلَوْ كَانَ فَاسِقًا أَوْ رَقِيقًا.

قَوْلُهُ: (إذَا اعْتَقَدَ صِدْقَهُ) لَيْسَ بِقَيْدٍ فَالْمَدَارُ عَلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ: كَوْنِ الْمُخْبِرِ مَوْثُوقًا بِهِ، أَوْ اعْتِقَادِ صِدْقِهِ؛ وَهَذَا أَمْرٌ خَامِسٌ لِوُجُوبِ صَوْمِ رَمَضَانَ زَائِدٌ عَلَى الْأَرْبَعَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَيَجِبُ أَيْضًا بِرُؤْيَةِ الْقَنَادِيلِ الْمُعَلَّقَةِ عَلَى الْمَنَائِرِ فِي الْبِلَادِ الْمُعْتَمَدَةِ كَمَا يَأْتِي كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ.

قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ) أَيْ الْهِلَالَ أَيْ رُؤْيَتَهُ.

قَوْلُهُ: (وَيَكْفِي فِي الشَّهَادَةِ إلَخْ) خِلَافًا لِابْنِ أَبِي الدَّمِ، فَإِنَّهُ يَقُولُ: لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ: أَشْهَدُ أَنَّ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ أَوْ أَنَّ الشَّهْرَ هَلَّ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ " أَشْهَدُ أَنِّي رَأَيْت الْهِلَالَ " شَهَادَةٌ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ وَهِيَ لَا تَصِحُّ، قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ اُغْتُفِرَ ذَلِكَ فِي قَبُولِهَا احْتِيَاطًا لِلصَّوْمِ، وَعِبَارَةُ ق ل: أَيْ لَا بُدَّ مِنْ لَفْظِ " أَشْهَدُ "، وَلَا يَكْفِي أَنْ يَقُولَ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ اهـ. وَعِبَارَةُ م د: وَلَا يَكْفِي أَنْ يَقُولَ " أَشْهَدُ أَنَّ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ اتِّفَاقًا " لِاحْتِمَالِ اعْتِمَادِ حِسَابِهِ، أَوْ يَكُونُ حَنَفِيًّا يَرَى إيجَابَ الصَّوْمِ لَيْلَةَ الْغَيْمِ؛ وَهُوَ ضَعِيفٌ اهـ م د فَطَرِيقُ الشَّهَادَةِ عِنْدَ ابْنِ أَبِي الدَّمِ أَنْ يَشْهَدَ أَنَّهُ رَأَى اللَّيْلَةَ الْهِلَالَ وَأَنَّ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ.

قَوْلُهُ: (وَتَوَابِعُهُ) عَطْفٌ تَلْقِينِيٌّ عَلَى قَوْلِهِ فِي الصَّوْمِ، وَضَابِطُهُ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ بِ " قَالَ " وَنَحْوِهَا.

قَوْلُهُ: (الْمُعَلَّقِينَ بِدُخُولِ رَمَضَانَ) أَيْ الْمُعَلَّقُ نَذْرُهُمَا، كَإِنْ دَخَلَ رَمَضَانُ فَلِلَّهِ عَلَيَّ الِاعْتِكَافُ أَوْ الْإِحْرَامُ بِالْعُمْرَةِ.

قَوْلُهُ: (كَدَيْنٍ إلَخْ) وَذَلِكَ لِأَنَّ إخْبَارَ الْعَدْلِ يُفِيدُ الظَّنَّ وَنَحْوَ الْعِصْمَةِ مُحَقَّقٌ فَلَا يُزَالُ إلَّا بِيَقِينٍ، وَقَوْلُهُ " هَذَا " أَيْ قَوْلُهُ لَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ " إنْ سَبَقَ التَّعْلِيقُ " أَيْ سَبَقَ التَّعْلِيقُ الشَّهَادَةَ.

قَوْلُهُ: (وَمَحَلُّهُ) أَيْ مَحَلُّ قَوْلِنَا " لَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ "، وَقَوْلُهُ " أَيْضًا " أَيْ كَمَا أَنَّ مَحَلَّهُ إنْ سَبَقَ التَّعْلِيقُ الشَّهَادَةَ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ " لَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ " مُقَيَّدًا بِأَمْرَيْنِ.

قَوْلُهُ: (عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ) أَيْ اشْتِبَاهِ الشُّهُورِ بَعْضُهَا مَعَ بَعْضٍ، كَأَنْ كَانَ مَحْبُوسًا وَظَنَّ دُخُولَهُ بِالِاجْتِهَادِ. قَوْلُهُ: (الْمُعَلَّقَةِ بِالْمَنَائِرِ) بِالْهَمْزَةِ، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْجَمْعَ يَرُدُّ الْأَشْيَاءَ إلَى أُصُولِهَا، فَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَقُولَ: " مَنَاوِرَ " بِالْوَاوِ؛ لِأَنَّهُ جَمْعُ " مَنْوَرَةٍ " بِسُكُونِ النُّونِ نُقِلَتْ حَرَكَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>