{وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: ١٨٧] وَخَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأَوْسَطَ مِنْ رَمَضَانَ ثُمَّ اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ وَلَازَمَهُ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ» وَهُوَ مِنْ الشَّرَائِعِ الْقَدِيمَةِ قَالَ تَعَالَى {وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ} [البقرة: ١٢٥] وَالِاعْتِكَافُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ أَيْ مَطْلُوبَةٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ فِي رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ بِالْإِجْمَاعِ وَلِإِطْلَاقِ الْأَدِلَّةِ قَالَ الزَّرْكَشِيّ فَقَدْ رُوِيَ «مَنْ
ــ
[حاشية البجيرمي]
أَحْكَامَ الْمَسَاجِدِ، فَيَصِحُّ الِاعْتِكَافُ عَلَيْهَا وَيَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ؛ وَنَحْوُهُ الْمُكْثُ عَلَيْهَا وَنَحْوَ ذَلِكَ. اهـ. عَبْدُ الْبَرِّ. وَلَوْ زَالَ تَسْمِيرُ هَذَا ثَبَتَتْ الْمَسْجِدِيَّةِ بَعْدَ زَوَالِهِ وَفِي ق ل. نَعَمْ إنْ جَعَلَ فِي الْأَرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ بَلَاطًا مَثَلًا وَوَقَفَهُ مَسْجِدًا صَحَّ عَلَيْهِ الِاعْتِكَافُ اهـ.
قَوْلُهُ: (مِنْ شَخْصٍ مَخْصُوصٍ) أَيْ مُسْلِمٍ مُمَيِّزٍ خَالٍ مِنْ الْمَوَانِعِ.
قَوْلُهُ: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ} [البقرة: ١٨٧] الْمُرَادُ بِالْمُبَاشَرَةِ الْوَطْءُ كَمَا فِي الْبَيْضَاوِيِّ.
قَوْلُهُ: (فِي الْمَسَاجِدِ) قَيْدٌ لِصِحَّةِ الِاعْتِكَافِ، وَإِلَّا فَالْمُعْتَكِفُ مَمْنُوعٌ مِنْ الْجِمَاعِ حَتَّى خَارِجَ الْمَسْجِدِ إذَا كَانَ حُكْمُ الِاعْتِكَافِ مُنْسَحِبًا عَلَيْهِ كَأَنْ خَرَجَ مِنْ الِاعْتِكَافِ الْمَنْذُورِ الْمُقَيَّدِ بِالْمُدَّةِ وَالتَّتَابُعِ لِلتَّبَرُّزِ مَثَلًا، وَمَنْ فِي الْمَسْجِدِ تَحْرُمُ عَلَيْهِ الْمُبَاشَرَةُ بِشَهْوَةٍ وَلَوْ غَيْرَ مُعْتَكِفٍ؛ فَذِكْرُ الْمَسَاجِدِ لَيْسَ إلَّا لِبَيَانِ شَرْطِ الِاعْتِكَافِ لَا لِإِخْرَاجِ الصُّورَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ م د. وَعِبَارَةُ ح ل: قَوْلُهُ: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ} [البقرة: ١٨٧] الْآيَةَ، دَلِيلٌ عَلَى اشْتِرَاطِ الْمَسْجِدِيَّةِ لِلِاعْتِكَافِ؛ لِأَنَّهُ لَا جَائِزَ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا فِي مَنْعِ مُبَاشَرَةِ الْمُعْتَكِفِ لِأَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ عَلَيْهِ خَارِجَهُ، لِنَحْوِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ كَمَا سَيَأْتِي، وَغَيْرُ الْمُعْتَكِفِ مَمْنُوعٌ مِنْ الْمُبَاشَرَةِ فِيهِ فَلَيْسَ ذِكْرُهَا إلَّا لِاشْتِرَاطِ صِحَّةِ الِاعْتِكَافِ اهـ. وَقَوْلُهُ " لِأَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ عَلَيْهِ خَارِجَهُ " يُمْكِنُ شُمُولُ الْآيَةِ لِهَذِهِ الصُّورَةِ بِأَنْ يُرَادَ بِقَوْلِهِ: {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: ١٨٧] حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا وَالْمُبَاشَرَةُ فِيهَا أَوْ خَارِجَهَا.
قَوْلُهُ: (اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأَوْسَطَ) أَيْ فِي بَعْضِ السِّنِينَ. وَقَوْلُهُ " الْأَوْسَطَ " اعْتَرَضَهُ فِي الْمِصْبَاحِ بِأَنَّ الْعَشْرَ جَمْعٌ وَالْأَوْسَطَ مُفْرَدٌ وَلَا يُتْبَعُ الْجَمْعُ بِمُفْرَدٍ، قَالَ: وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى غَلَطِ النُّسَّاخِ بِإِسْقَاطِ الْأَلْفِ مِنْ الْأَوَاسِطِ. وَقَوْلُهُ " ثُمَّ اعْتَكَفَ " أَيْ فِي سَنَةٍ أُخْرَى، وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّهُ اعْتَكَفَ الْأَوَّلَ أَيْضًا م ر. وَذِكْرُ اعْتِكَافِ أَزْوَاجِهِ أَيْ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ اخْتِصَاصِهِ بِرَمَضَانَ وَبِالذِّكْرِ. وَفِيهِ أَيْضًا دَلِيلٌ لِجَوَازِ اعْتِكَافِ الْمُفْطِرِ لِأَنَّ يَوْمَ الْعِيدِ لَا يَجُوزُ صَوْمُهُ إجْمَاعًا، فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (مِنْ الشَّرَائِعِ الْقَدِيمَةِ) أَيْ بِمَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ، وَهُوَ مُطْلَقُ اللُّبْثِ فِي الْمَسْجِدِ أَمَّا هُوَ بِالْهَيْئَةِ الْمَخْصُوصَةِ فَمِنْ خَصَائِصِنَا ق ل.
قَوْلُهُ: {وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ} [البقرة: ١٢٥] أَيْ أَمَرْنَاهُمَا بِذَلِكَ. قَوْلُهُ: {أَنْ طَهِّرَا} [البقرة: ١٢٥] أَيْ بِأَنْ طَهِّرَا، فَحَذَفَ حَرْفَ الْجَرِّ. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُفَسِّرَةً لِتَضَمُّنِ الْعَهْدِ مَعْنَى الْقَوْلِ، يُرِيدُ: طَهِّرَاهُ عَمَّا لَا يَلِيقُ بِهِ مِنْ الْأَدْنَاسِ وَالْأَنْجَاسِ وَالْأَوْثَانِ الْمُعَلَّقَةِ حَوْلَ الْكَعْبَةِ وَمِنْ الْقَذِرِ؛ لِمَا قِيلَ إنْ غَنَمَ سَيِّدِنَا إسْمَاعِيلَ كَانَتْ تَبِيتُ فِي الْحِجْرِ. وَقَوْلُهُ {لِلطَّائِفِينَ} [البقرة: ١٢٥] أَيْ حَوْلَهُ، {وَالْعَاكِفِينَ} [البقرة: ١٢٥] أَيْ الْمُقِيمِينَ عِنْدَهُ أَوْ الْمُعْتَكِفِينَ فِيهِ كَمَا فِي الْبَيْضَاوِيِّ.
قَوْلُهُ: (سُنَّةً) أَشَارَ بِقَوْلِهِ " سُنَّةً " إلَى حُكْمِهِ، وَبِقَوْلِهِ " مُسْتَحَبَّةٌ " فِي كُلِّ وَقْتٍ إلَى زَمَانِهِ رَدًّا عَلَى مَنْ مَنَعَهُ لَيْلًا وَلِغَيْرِ الصَّائِمِ ق ل. وَقَوْلُهُ " مُسْتَحَبَّةٌ " تَأْكِيدٌ أَوْ تَأْسِيسٌ إنْ أُرِيدَ بِالسُّنَّةِ الطَّرِيقَةُ. وَقَدْ جَعَلَ الشَّارِحُ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ " مُسْتَحَبَّةٌ " تَأْسِيسًا بِالنَّظَرِ لِلْمُتَعَلِّقِ بِهِ لِأَنَّهُ خَيْرٌ مِنْ التَّأْكِيدِ الَّذِي هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ. قَوْلُهُ: (فِي كُلِّ وَقْتٍ) أَيْ حَتَّى أَوْقَاتِ الْكَرَاهَةِ وَإِنْ تَحَرَّاهَا ع ش. وَيَجِبُ بِالنَّذْرِ وَيَحْرُمُ عَلَى الزَّوْجَةِ وَالرَّقِيقِ بِغَيْرِ إذْنٍ مَعَ الصِّحَّةِ، وَيُكْرَهُ لِذَاتِ الْهَيْئَةِ مَعَ الْإِذْنِ فَتَعْتَرِيهِ الْأَحْكَامُ مَا عَدَا الْإِبَاحَةَ أَيْ يَجِبُ بِالنَّذْرِ، وَيَحْرُمُ مِنْ الْمَرْأَةِ بِلَا إذْنِ زَوْجِهَا أَوْ سَيِّدِهَا، وَيُكْرَهُ لَهَا بِالْإِذْنِ إنْ كَانَتْ ذَاتَ هَيْئَةٍ وَيُسَنُّ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ وَهُوَ الْأَصْلُ فِيهِ، وَمِثْلُ الْمَرْأَةِ الْخُنْثَى اهـ.
قَوْلُهُ: (وَلِإِطْلَاقِ الْأَدِلَّةِ) أَيْ السَّابِقَةِ وَالْآتِيَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute