اعْتَكَفَ فُوَاقَ نَاقَةٍ فَكَأَنَّمَا أَعْتَقَ نَسَمَةً» وَهُوَ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ أَفْضَلُ مِنْهُ فِي غَيْرِهِ لِطَلَبِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ فَيُحْيِيهَا بِالصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَةِ وَكَثْرَةِ الدُّعَاءِ فَإِنَّهَا أَفْضَلُ لَيَالِيِ السَّنَةِ قَالَ تَعَالَى {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر: ٣] أَيْ الْعَمَلُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْعَمَلِ فِي أَلْفِ شَهْرٍ لَيْسَ فِيهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» وَهِيَ مُنْحَصِرَةٌ فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَأَنَّهَا تَلْزَمُ لَيْلَةً بِعَيْنِهَا وَقَالَ الْمُزَنِيّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ إنَّهَا مُنْتَقِلَةٌ فِي لَيَالِي الْعَشْرِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ وَاخْتَارَهُ فِي
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: (فُوَاقَ نَاقَةٍ) بِضَمِّ الْفَاءِ وَآخِرُهُ قَافٌ، أَيْ قَدْرَ زَمَنِ حَلْبِهَا ق ل. وَحُكِيَ عَنْ الْجَوْهَرِيِّ فَتْحُ الْفَاءِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ مَا بَيْنَ الْحَلْبَتَيْنِ بِأَنْ تُحْلَبَ ثُمَّ تُتْرَكَ لِفَصِيلِهَا لِيَدِرَّ اللَّبَنُ ثُمَّ يَعُودُ لِحَلْبِهَا اهـ أج. وَفِي الْحَدِيثِ: «الْعِيَادَةُ قَدْرُ فُوَاقِ نَاقَةٍ» أَيْ عِيَادَةُ الْمَرِيضِ. وقَوْله تَعَالَى: {مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ} [ص: ١٥] أَيْ انْتِظَارٍ وَرَاحَةٍ وَلَا إفَاقَةٍ، وَقِيلَ: مِنْ الرُّجُوعِ إلَى الدُّنْيَا كَمَا فِي التَّقْرِيبِ.
قَوْلُهُ: (نَسَمَةً) النَّسَمَةُ لِلْوَاحِدِ مِنْ الْأَشْخَاصِ وَمُرَادُهُ هُنَا الرَّقِيقُ اهـ ق ل.
قَوْلُهُ: (لِطَلَبِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ) وَتَسْمِيَتُهَا بِذَلِكَ لِشَرَفِهَا وَلِتَقْدِيرِ الْأُمُورِ فِيهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان: ٤] وَذِكْرُ الْأَلْفِ إمَّا لِلتَّكْثِيرِ، أَوْ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ذَكَرَ إسْرَائِيلِيًّا لَبِسَ السِّلَاحَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَلْفَ شَهْرٍ، فَعَجِبَ الْمُؤْمِنُونَ وَتَقَاصَرَتْ إلَيْهِمْ أَعْمَالُهُمْ فَأُعْطُوا لَيْلَةً هِيَ خَيْرٌ مِنْ مُدَّةِ ذَلِكَ الْغَازِي» اهـ بَيْضَاوِيٌّ. وَقَوْلُهُ " لِشَرَفِهَا " عَلَى أَنَّ الْقَدْرَ بِمَعْنَى الْعَظَمَةِ وَالشَّرَفِ " مِنْ قَوْلِهِمْ: لِفُلَانٍ قَدْرٌ أَيْ شَرَفٌ وَمَنْزِلَةٌ، ثُمَّ إنَّ شَرَفَهَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ رَاجِعًا لِلْفَاعِلِ فِيهَا عَلَى مَعْنَى أَنَّ مَنْ أَتَى فِيهَا بِالطَّاعَةِ صَارَ ذَا قَدْرٍ وَشَرَفٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى نَفْسِ الْعَمَلِ اهـ زَادَهُ أَوْ رَاجِعٌ لَهَا نَفْسَهَا أَوْ لِلْمَنْزِلِ فِيهَا كَمَا قَالَهُ الشِّهَابُ. قَالَ ق ل: وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّهُ عِلَّةٌ لِلْأَفْضَلِيَّةِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، وَهُوَ يَقْتَضِي عَدَمَ تَخْصِيصِهَا أَيْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ بِمُفْرَدٍ مِنْ مُفْرَدَاتِهِ أَيْ الْعَشْرِ. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ قَوْلَهُ " لِطَلَبٍ إلَخْ " تَعْلِيلٌ لِمَحْذُوفٍ، أَيْ: وَقَالُوا فِي حِكْمَتِهِ لِطَلَبٍ إلَخْ. وَتَعْلِيلُ الْأَفْضَلِيَّةِ مَحْذُوفٌ، وَالتَّقْدِيرُ: أَفْضَلُ لِمُوَاظَبَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (فَيُحْيِيهَا بِالصَّلَاةِ) هَذِهِ هِيَ الطَّرِيقَةُ الْعُلْيَا، وَأَمَّا الطَّرِيقَةُ الدُّنْيَا فَهِيَ أَنْ يُصَلِّيَ الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ وَيُصَلِّيَ الصُّبْحَ كَذَلِكَ. وَتَرَكَ الشَّارِحُ الطَّرِيقَةَ الْوُسْطَى وَهِيَ أَنْ يُحْيِيَ مُعْظَمَ لَيْلِهَا بِالذِّكْرِ إلَخْ، فَفِيهَا ثَلَاثٌ كَيْفِيَّاتٍ ذَكَرَ الشَّارِحُ اثْنَتَيْنِ وَتَرَكَ وَاحِدَةً. قَوْلُهُ: (أَفْضَلُ لَيَالِيِ السَّنَةِ) أَيْ فِي حَقِّ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَهُوَ لَا يُنَافِي كَوْنَ لَيْلَةِ الْمِعْرَاجِ أَفْضَلَ اللَّيَالِيِ مُطْلَقًا فِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. الْمُرَادُ بِهَا خُصُوصُ اللَّيْلَةِ الَّتِي عُرِجَ بِهِ فِيهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى السَّمَاءِ لَا نَظِيرَتُهَا مِنْ كُلِّ عَامٍ. وَمَا أَحْسَنَ قَوْلِ بَعْضِهِمْ.
أَوْلَاك رُؤْيَتَهُ فِي لَيْلَةٍ فَضُلَتْ ... لَيَالِيَ الْقَدْرِ فِيهَا الرَّبُّ رَضَاكَا
قَوْلُهُ: {أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر: ٣] وَهِيَ ثَلَاثٌ وَثَمَانُونَ سَنَةً وَثُلُثُ سَنَةٍ، وَلَمْ يُعَبِّرْ بِذَلِكَ لِأَنَّ مَا فِي التَّنْزِيلِ أَخَصْرُ كَمَا لَا يَخْفَى م د.
قَوْلُهُ: (لَيْسَ فِيهَا إلَخْ) وَإِلَّا لَزِمَ تَفْضِيلُ الشَّيْءِ عَلَى نَفْسِهِ بِمَرَاتِبَ. قَالَ ق ل: ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْأَلْفَ شَهْرٍ كَامِلَةٌ وَأَنَّهَا تَبْدُلُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ بِلَيْلَةٍ غَيْرِهَا وَيَحْتَمِلُ نَقْصُهَا مِنْهَا، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالشُّهُورِ الْعَرَبِيَّةِ لِأَنَّهَا الْمُنْصَرِفُ إلَيْهَا الِاسْمَ شَرْعًا وَعُرْفًا.
قَوْلُهُ: (إيمَانًا) أَيْ تَصْدِيقًا بِأَنَّهَا حَقٌّ وَطَاعَةٌ، وَاحْتِسَابًا أَيْ إرَادَةَ وَجْهِ اللَّهِ لَا لِرِيَاءٍ؛ شَوْبَرِيُّ. وَنَصْبُهُمَا عَلَى الْمَفْعُولِ لِأَجْلِهِ أَوْ عَلَى الْحَالِ بِتَأْوِيلِهِمَا بِاسْمِ الْفَاعِلِ. قَوْلُهُ: (مِنْ ذَنْبِهِ) أَيْ مِنْ الصَّغَائِرِ أَوْ الْأَعَمِّ دُونَ التَّبَعَاتِ، أَمَّا التَّبَعَاتُ فَلَا يُكَفِّرُهَا إلَّا الِاسْتِحْلَالُ مِنْ مُسْتَحَقِّهَا إنْ كَانَ مَوْجُودًا أَهْلًا لِلِاسْتِحْلَالِ مِنْهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا أَوْ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا فَوَارِثُهُ وَالنُّكْتَةُ فِي وُقُوعِ الْجَزَاءِ مَاضِيًا مَعَ أَنَّهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَنَّهُ مُحَقَّقُ الْوُقُوعِ فَضْلًا مِنْ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ. اهـ. ز ي.
قَوْلُهُ: (وَأَنَّهَا تَلْزَمُ) لَوْ قَالَ: