الْمَجْمُوعِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَلَا يَنَالُ فَضْلَهَا إلَّا مَنْ أَطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَيْهَا لَكِنْ قَالَ الْمُتَوَلِّي يُسْتَحَبُّ التَّعَبُّدُ فِي كُلِّ لَيَالِيِ الْعَشْرِ حَتَّى يَجُوزَ الْفَضِيلَةُ عَلَى الْيَقِينِ وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ يَجُوزُ فَضِيلَتُهَا سَوَاءٌ اطَّلَعَ عَلَيْهَا أَمْ لَا وَهَذَا أَوْلَى نَعَمْ حَالُ مَنْ اطَّلَعَ أَكْمَلُ إذَا أَقَامَ وَظَائِفَهَا وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ الْأَخِيرَةَ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَقَدْ أَدْرَكَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ» وَمَيْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلَى أَنَّهَا لَيْلَةُ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ أَوْ الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبِي هِيَ لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَهُوَ مَذْهَبُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَفِيهَا نَحْوُ الثَّلَاثِينَ قَوْلًا وَمِنْ عَلَامَاتِهَا أَنَّهَا طَلِقَةٌ لَا حَارَّةً وَلَا بَارِدَةً وَتَطْلُعُ الشَّمْسُ فِي صَبِيحَتِهَا بَيْضَاءَ لَيْسَ فِيهَا كَثِيرُ شُعَاعٍ وَيَنْدُبُ أَنْ يَكْثُرَ فِي
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَتَلْزَمُ، لَكَانَ أَخَصْرَ وَأَوْلَى ق ل. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَوْلُهُ " وَأَنَّهَا " مَعْطُوفٌ عَلَى الضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ بِ " عَلَى " بِدُونِ إعَادَةِ الْخَافِضِ، وَالتَّقْدِيرُ: وَالْجُمْهُورُ عَلَيْهِ وَعَلَى أَنَّهَا إلَخْ. قَوْلُهُ: (لَيْلَةً بِعَيْنِهَا) أَيْ مِنْ الْعَشْرِ الْأَخِيرِ، يَعْنِي أَنَّ اللَّيْلَةَ الَّتِي وُجِدَتْ فِيهَا فِي بَعْثَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تَنْتَقِلُ عَنْهَا إلَى لَيْلَةٍ غَيْرِهَا مِنْ حِينِ مَشْرُوعِيَّتِهَا إلَى الْآنَ.
قَوْلُهُ: (جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ) لَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا الْجَمْعِ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ ق ل؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ جَمْعًا بَيْنَ هَذَا الْقَوْلِ وَمَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الْبَعْضَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا مُنْتَقِلَةٌ وَالْبَعْضُ الْآخَرُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا تَلْزَمُ لَيْلَةً بِعَيْنِهَا. وَمَبْنَى الْإِشْكَالِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَحَادِيثِ الْأَحَادِيثُ الدَّالَّةُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ، فَإِنْ أُرِيدَ الْأَحَادِيثُ الدَّالَّةُ عَلَى أَنَّهَا لَيْلَةُ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ وَالدَّالَّةُ عَلَى أَنَّهَا لَيْلَةُ الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ وَالدَّالَّةُ عَلَى أَنَّهَا لَيْلَةُ الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ مَثَلًا كَانَ الْجَمْعُ صَحِيحًا تَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ) أَيْ أَنَّهَا تَلْزَمُ لَيْلَةً بِعَيْنِهَا.
قَوْلُهُ: (وَظَاهِرُ هَذَا) أَيْ كَلَامُ الْمُتَوَلِّي.
قَوْلُهُ: (فَقَدْ أَدْرَكَ إلَخْ) أَيْ أَحْيَاهَا لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَعْزِمَ عَلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ جَمَاعَةً، وَهَذَا أَقَلُّ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِحْيَاءُ. قَوْلُهُ: (وَمَيْلُ الشَّافِعِيِّ) أَيْ اخْتِيَارُهُ. وَهَذَا يُخَالِفُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّهَا تَلْزَمُ لَيْلَةً بِعَيْنِهَا، وَيُمْكِنُ أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّهَا تَلْزَمُ هَذِهِ أَوْ هَذِهِ وَلَا تَنْتَقِلُ عَنْهُمَا. وَذَكَرُوا لَهَا ضَابِطًا، وَهُوَ أَنَّهُ إنْ هَلَّ رَمَضَانُ بِالْجُمُعَةِ فَهِيَ لَيْلَةُ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ وَإِنْ هَلَّ بِالسَّبْتِ فَهِيَ لَيْلَةُ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ وَإِنْ هَلَّ بِالْأَحَدِ فَهِيَ لَيْلَةُ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ وَإِذَا هَلَّ بِالِاثْنَيْنِ فَهِيَ لَيْلَةُ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ وَإِنْ هَلَّ بِالثُّلَاثَاءِ فَهِيَ لَيْلَةُ الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ وَإِنْ هَلَّ بِالْأَرْبِعَاءِ فَهِيَ لَيْلَةُ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ وَإِنْ هَلَّ بِالْخَمِيسِ فَهِيَ لَيْلَةُ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ.
وَنَظَّمَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ:
وَإِنَّا جَمِيعًا إنْ نَصُمْ يَوْمَ جُمُعَةٍ ... فَفِي تَاسِعِ الْعِشْرِينَ خُذْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ
وَإِنْ كَانَ يَوْمُ السَّبْتِ أَوَّلَ صَوْمِنَا ... فَحَادِي وَعِشْرِينَ اعْتَمِدْهُ بِلَا عُذْرِ
وَإِنْ هَلَّ يَوْمُ الصَّوْمِ فِي أَحَدٍ فَفِي ... سَابِعِ الْعِشْرِينَ مَا رُمْت فَاسْتَقْرِي
وَإِنْ هَلَّ بِالِاثْنَيْنِ فَاعْلَمْ بِأَنَّهُ ... يُوَافِيك نَيْلُ الْوُصُولِ فِي تَاسِعِ الْعَشْرِيّ
وَيَوْمَ الثُّلَاثَاءِ إنْ بَدَا الشَّهْرُ فَاعْتَمِدْ ... عَلَى خَامِسِ الْعِشْرِينَ تَحْظَى بِهَا قَادِرِ
فِي الْأَرْبِعَاءِ إنْ هَلَّ يَا مَنْ يَرُومُهَا ... فَدُونَك فَاطْلُبْ وَصِلْهَا سَابِعَ الْعَشْرِ
وَيَوْمَ الْخَمِيسِ إنْ بَدَا الشَّهْرُ فَاجْتَهِدْ ... تُوَافِيك بَعْدَ الْعَشْرِ فِي لَيْلَةِ الْوِتْرِ
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ أَرْجَاهَا لَيْلَةُ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. اهـ. بِرْمَاوِيُّ.
قَوْلُهُ: (وَمِنْ عَلَامَاتِهَا إلَخْ) وَفَائِدَةُ مَعْرِفَةِ عَلَامَاتِهَا بَعْدَ فَوْتِهَا أَنَّهُ يُسَنُّ اجْتِهَادُهُ فِي يَوْمِهَا كَاجْتِهَادِهِ فِيهَا كَمَا يَأْتِي.