لَيْلَتِهَا مِنْ قَوْلِ اللَّهُمَّ إنَّك عَفْوٌ كَرِيمٌ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي وَأَنْ يَجْتَهِدَ فِي يَوْمِهَا كَمَا يَجْتَهِدُ فِي لَيْلَتِهَا وَخُصَّتْ بِهَا هَذِهِ الْأُمَّةِ وَهِيَ بَاقِيَةٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَيُسَنُّ لِمَنْ رَآهَا أَنْ يَكْتُمَهَا
(وَلَهُ) أَيْ الِاعْتِكَافِ (شَرْطَانِ) أَيْ رُكْنَانِ فَمُرَادُهُ بِالشَّرْطِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ بَلْ أَرْكَانُهُ أَرْبَعَةٌ كَمَا سَتَعْرِفُهُ.
الْأَوَّلُ: (النِّيَّةُ) بِالْقَلْبِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ، وَتَجِبُ نِيَّةُ فَرْضِيَّةِ فِي نَذْرِهِ لِيَتَمَيَّزَ عَنْ النَّفْلِ وَإِنْ أَطْلَقَ الِاعْتِكَافَ بِأَنْ لَمْ يُقَدِّرْ لَهُ مُدَّةً كَفَتْهُ نِيَّتُهُ، وَإِنْ طَالَ مُكْثُهُ، لَكِنْ لَوْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ بِلَا عَزْمِ عَوْدٍ وَعَادَ جَدَّدَهَا سَوَاءٌ أَخْرَجَ لِتَبَرُّزٍ أَمْ لِغَيْرِهِ لِأَنَّ مَا مَضَى عِبَادَةً تَامَّةً، فَإِنْ عَزَمَ عَلَى الْعَوْدِ كَانَتْ هَذِهِ الْعَزِيمَةُ قَائِمَةً مَقَامَ النِّيَّةِ، وَلَوْ قَيَّدَ بِمُدَّةٍ كَيَوْمٍ وَشَهْرٍ
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَأَيْضًا يُسْتَفَادُ بِعَلَامَاتِهَا مَعْرِفَتُهَا فِي بَاقِي الْأَعْوَامِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا لَا تَنْتَقِلُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ.
قَوْلُهُ: (طَلِقَةٌ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ، وَقَوْلُهُ: " لَا حَارَّةٌ وَلَا بَارِدَةٌ " تَفْسِيرٌ لِطَلِقَةٍ.
قَوْلُهُ: (لَيْسَ فِيهَا كَثِيرُ شُعَاعٍ) أَيْ شُعَاعٌ كَثِيرٌ لِأَنَّهَا تَسْتُرُ الْمَلَائِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا شُعَاعَهَا فَيَضْعُفُ، أَيْ وَيَسْتَمِرُّ إلَى أَنْ تَرْتَفِعَ فِي رَأْيِ الْعَيْنِ؛ مُنَاوِيٌّ ع ش.
قَوْلُهُ: (وَأَنْ يَجْتَهِدَ فِي يَوْمِهَا) أَيْ بِالْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ.
قَوْلُهُ: (وَهِيَ بَاقِيَةٌ إلَخْ) وَأَمَّا مَنْ قَالَ إنَّهَا رُفِعَتْ فَالْمُرَادُ أَنَّهُ رُفِعَ عِلْمُ عَيْنِهَا، وَلَوْ عُلِّقَ قَبْلَ دُخُولِ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ طَلَاقًا مَثَلًا بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ كَقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، طَلُقَتْ بِأَوَّلِ آخِرِ لَيْلَةٍ مِنْهَا أَيْ مِنْ لَيَالِيِ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ؛ لِأَنَّهُ مَضَتْ بِهِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ فِي إحْدَى لَيَالِيِ الْعَشْرِ، أَوْ عَلَّقَهُ فِي أَثْنَاءِ الْعَشْرِ طَلُقَتْ بِأَوَّلِ آخِرِ لَيْلَةٍ مِنْ سَنَةٍ تَمْضِي عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَدْ مَرَّتْ بِهِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ اهـ زَادَ حَجّ: وَلَوْ رَآهَا بَعْدَ التَّعْلِيقِ؛ أَوْ أَخْبَرَهُ مَنْ اعْتَقَدَ صِدْقَهُ أَنَّهُ رَآهَا فِي سَنَةِ التَّعْلِيقِ كَلَيْلَةِ الثَّالِثِ أَوْ الْخَامِسِ أَوْ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ فَيَنْبَغِي الْوُقُوعُ،. اهـ. رَحْمَانِيٌّ.
قَوْلُهُ: (أَنْ يَكْتُمَهَا) أَيْ لِأَنَّهَا كَرَامَةٌ، وَيَنْبَغِي كَتْمُ الْكَرَامَاتِ؛ قَالَ ق ل: وَهِيَ لَحْظَةٌ صَغِيرَةٌ عَلَى صُورَةِ الْبَرْقِ الْخَاطِفِ وَتَفْضُلُ جَمِيعُ اللَّيْلَةِ لِأَجْلِهَا، وَكَذَا نُزُولُ الْمَلَائِكَةِ فِيهَا فِي جَمِيعِ اللَّيْلِ صُعُودًا وَهُبُوطًا بَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَعِبَادِهِ لِقَضَاءِ حَوَائِجِهِمْ وَاطِّلَاعِ الرَّبِّ فِيهَا جَمِيعِهَا كَذَلِكَ، بِخِلَافِ غَيْرِهَا فَإِنَّهُ فِي الثُّلُثِ الْأَخِيرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (وَلَهُ) أَيْ لِتَحَقُّقِهِ وَصِحَّتِهِ وَجَوَازِهِ ق ل قَوْلُهُ: (أَيْ رُكْنَانِ) هَذَا لِمُرَاعَاةِ التَّثْنِيَةِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِيهِ عَلَى مَا قَرَّرَهُ الشَّارِحُ ثَلَاثَةُ أَرْكَانٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ الرَّابِعَ وَهُوَ الْمُعْتَكِفُ نَظَرًا إلَى الْأَصْلِ مِنْ أَنَّ الْفَاعِلَ لَا يُعَدُّ رُكْنًا وَإِنَّمَا عَدَّهُ غَيْرُهُ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ هُنَا رُكْنًا كَالصَّوْمِ وَنَحْوِهِ لِعَدَمِ وُجُودِ صُورَةٍ لَهُ مَحْسُوسَةٍ فِي الْخَارِجِ أَيْ مُشَاهَدَةٍ بِدُونِهِ ق ل. قَوْلُهُ: (كَغَيْرِهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ) أَيْ كَنَظِيرِهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ كَمَا فِي عِبَارَةِ غَيْرِهِ فَيَكُونُ رَاجِعًا لِقَوْلِهِ " النِّيَّةُ " وَيَحْتَمِلُ رُجُوعُهُ لِقَوْلِهِ " بِالْقَلْبِ ".
قَوْلُهُ: (وَإِنْ أَطْلَقَ الِاعْتِكَافَ) أَيْ عَنْ التَّقْيِيدِ بِمُدَّةٍ، وَسَوَاءٌ كَانَ مَنْذُورًا أَوْ لَا لَكِنَّهُ فِي الْمَنْذُورِ يَقَعُ بَعْضُهُ وَاجِبًا عَنْ النَّذْرِ وَبَعْضُهُ غَيْرُ وَاجِبٍ عَنْهُ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ تَجْزِيهِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَرَاتِبَ ثَلَاثَةٌ: إمَّا أَنْ يُطْلَقَ، أَوْ يُقَيَّدَ بِمُدَّةٍ غَيْرِ مُتَتَابِعَةٍ، أَوْ مُتَتَابِعَةٍ. وَكُلٌّ مِنْهَا إمَّا مَنْذُورٌ أَوْ لَا قَوْلُهُ: (كَفَتْهُ نِيَّتُهُ) وَيَكْفِيهِ لَحْظَةٌ فِي النَّذْرِ، فَلَوْ زَادَ عَلَيْهَا وَقَعَ قَدْرُ لَحْظَةٍ مِنْهُ فَرْضًا وَالْبَاقِي مَنْدُوبًا قِيَاسًا عَلَى الرُّكُوعِ إذَا طَوَّلَهُ، كَذَا قِيلَ؛ وَاعْتَمَدَ ع ش وُقُوعَ الْكُلِّ وَاجِبًا هُنَا، وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرُّكُوعِ بِأَنَّ الشَّارِعَ جَعَلَ لِأَقَلِّ الرُّكُوعِ قَدْرًا مَعْلُومًا وَلَمْ يَجْعَلْ ذَلِكَ لِأَقَلِّ الِاعْتِكَافِ، قَرَّرَ شَيْخُنَا ح ف. قَوْلُهُ: (بِلَا عَزْمِ عَوْدٍ) وَهُوَ فِي زَمَنِ خُرُوجِهِ غَيْرِ مُعْتَكِفٍ لَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا ح ل.
قَوْلُهُ: (جَدَّدَ) أَيْ إنْ أَرَادَ الِاعْتِكَافَ.
قَوْلُهُ: (لِتَبَرُّزِ) أَيْ قَضَاءِ حَاجَةٍ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ عَزَمَ عَلَى الْعَوْدِ) أَيْ لِلِاعْتِكَافِ سَوَاءٌ أَعَادَ إلَى ذَلِكَ الْمَسْجِدِ أَمْ لِغَيْرِهِ، قَالَ الشَّوْبَرِيُّ: فَلَوْ دَخَلَ بَعْدَ عَزْمِهِ وَخُرُوجِهِ مَسْجِدًا آخَرَ صَارَ مُعْتَكِفًا فِيهِ اهـ. قَالَ أج: فَإِنْ جَامَعَ بَعْدَ خُرُوجِهِ لَمْ يَجِبْ تَجْدِيدَ النِّيَّةِ إذَا عَادَ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُنَافٍ لِلنِّيَّةِ، قِيَاسًا عَلَى الصَّائِمِ إذَا نَوَى لَيْلًا ثُمَّ جَامَعَ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَجْدِيدُ النِّيَّةِ، بِخِلَافِ مَنْ خَرَجَ لِعُذْرٍ لَا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ وَلَمْ يَطُلْ زَمَنُهُ كَأَنْ خَرَجَ لِنَحْوِ تَبَرُّزٍ، فَإِنَّهُ إذَا جَامَعَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ لِأَنَّهُ مُعْتَكِفٌ حَقِيقَةً بِخِلَافِ مَنْ خَرَجَ عَازِمًا عَلَى الْعَوْدِ فَإِنَّ زَمَنَ الْخُرُوجِ لَا اعْتِكَافَ فِيهِ أَصْلًا هَذَا مَا بَحْث ع ش. وَقَوْلُهُ " لَمْ يَجِبْ تَجْدِيدُ النِّيَّةِ إذَا عَادَ " رَدَّهُ سم فِي حَوَاشِي التُّحْفَةِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّوْمِ بِأَنَّ الْجِمَاعَ مُنَافٍ لِلِاعْتِكَافِ مُطْلَقًا بِخِلَافِ الصَّوْمِ فَلَا يُنَافِيهِ إلَّا نَهَارًا.