للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَهُوَ فَرْضٌ عَلَى الْمُسْتَطِيعِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: ٩٧] الْآيَةَ وَلِحَدِيثِ: «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ» وَلِحَدِيثِ: «حُجُّوا قَبْلَ أَنْ لَا تَحُجُّوا قَالُوا: كَيْفَ نَحُجُّ قَبْلَ أَنْ لَا نَحُجَّ؟ قَالَ: أَنْ تَقْعُدَ الْعَرَبُ عَلَى بُطُونِ الْأَوْدِيَةِ فَيَمْنَعُونَ النَّاسَ السَّبِيلَ» . وَهُوَ مَعْلُومٌ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ. يَكْفُرُ جَاحِدُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَرِيبَ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ أَوْ نَشَأَ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ الْعُلَمَاءِ، وَهُوَ مِنْ الشَّرَائِعِ الْقَدِيمَةِ رُوِيَ أَنَّ آدَمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا حَجَّ قَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: إنَّ الْمَلَائِكَةَ كَانُوا يَطُوفُونَ قَبْلَك بِهَذَا الْبَيْتِ بِسَبْعَةِ آلَافِ سَنَةٍ. وَقَالَ صَاحِبُ التَّعْجِيزِ: إنَّ أَوَّلَ مَنْ حَجَّ آدَم - عَلَيْهِ السَّلَامُ -

ــ

[حاشية البجيرمي]

مَنْ أَتَى بِالنُّسُكِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَخْصُوصِ. نَعَمْ إنْ أَرَادَ بِيَا حَاجُّ الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ وَقَصَدَ بِهِ مَعْنًى صَحِيحًا كَأَنْ أَرَادَ بِ " يَا حَاجُّ " يَا قَاصِدَ التَّوَجُّهِ إلَى كَذَا كَالْجَمَاعَةِ أَوْ غَيْرِهَا فَلَا حُرْمَةَ، ع ش عَلَى م ر.

قَوْلُهُ: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: ٩٧] لَمْ يُسْتَدَلَّ بِهَا أَيْ وَحْدَهَا عَلَى وُجُوبِهِ لِلِاخْتِلَافِ فِي الْإِعْرَابِ، فَقِيلَ " حَجٌّ " مُبْتَدَأٌ وَ " لِلَّهِ " خَبَرُهُ، وَ " مَنْ " فَاعِلٌ بِالْمَصْدَرِ. وَرُدَّ بِأَنَّ مَعْنَاهُ: وَلِلَّهِ عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ أَنْ يَحُجَّ الْمُسْتَطِيعُ مِنْهُمْ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ الْإِنْسَانُ، لَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِعْلُ غَيْرِهِ إذْ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ. وَقِيلَ " مَنْ " مُبْتَدَأٌ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْهُمْ فَعَلَيْهِ ذَلِكَ. وَقِيلَ شَرْطِيَّةٌ، وَجَوَابُهَا مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: فَلْيَحُجَّ. وَالرَّاجِحُ أَنَّ " مَنْ " بَدَلُ بَعْضٍ مِنْ " النَّاسِ " مُخَصَّصٌ وَالرَّابِطُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: " مِنْهُمْ " لَكِنْ يَلْزَمُ عَلَيْهِ الْفَصْلُ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ مِنْهُ بِأَجْنَبِيٍّ وَهُوَ حَجُّ الْوَاقِعِ مُبْتَدَأٌ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ حَقَّهُ التَّقْدِيمُ لِأَنَّهُ مُبْتَدَأٌ اهـ رَحْمَانِيٌّ م د. وَقَوْلُهُ {حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: ٩٧] حِجُّ الْبَيْتِ عِبَارَةٌ عَنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ، وَخُصَّ الْبَيْتُ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ وَالطَّوَافُ بِهِ أَفْضَلُ الْأَرْكَانِ وَغَيْرُهُ تَبَعٌ لَهُ.

قَوْلُهُ: (حَجُّ الْبَيْتِ) فَإِنْ قُلْت: لِمَ قَصَرَ الْحَجَّ عَلَى الْبَيْتِ فَقَطْ مَعَ أَنَّهُ يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ كَالْوُقُوفِ وَالسَّعْيِ؟ وَأَيْضًا وَرَدَ «الْحَجُّ عَرَفَةَ» ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْبَيْتَ هُوَ الْمَقْصُودُ بِالذَّاتِ لِشَرَفِهِ عَلَى غَيْرِهِ، وَغَيْرُهُ إنَّمَا هُوَ مَقْصُودٌ تَبَعًا لَهُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ الْحَجُّ عَرَفَةَ فَمَعْنَاهُ أَنَّ مُعْظَمَ تَوَابِعِ هَذَا الْمَقْصُودِ بِالذَّاتِ إنَّمَا هُوَ عَرَفَةُ. وَيَنْدُبُ لِلْحَاجِّ الدُّعَاءُ لِغَيْرِهِ بِالْمَغْفِرَةِ وَإِنْ لَمْ يَسْأَلْ وَلِغَيْرِهِ سُؤَالُ الدُّعَاءِ مِنْهُ بِهَا وَذَكَرَ أَنَّهُ أَيْ الدُّعَاءَ يَمْتَدُّ أَرْبَعِينَ يَوْمًا مِنْ قُدُومِهِ، ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ.

قَوْلُهُ: «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ» أَيْ مِنْ خَمْسٍ فَ " عَلَى " بِمَعْنَى " مِنْ ". وَبِهَذَا يَحْصُلُ الْجَوَابُ عَمَّا يُقَالُ أَنَّ هَذِهِ الْخَمْسَ هِيَ الْإِسْلَامُ، فَكَيْفَ يَكُونُ الْإِسْلَامُ مَبْنِيًّا عَلَيْهَا وَالْمَبْنِيُّ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ الْمَبْنِيِّ عَلَيْهِ؟ وَلَا حَاجَةَ إلَى جَوَابِ الْكَرْمَانِيِّ بِأَنَّ الْإِسْلَامَ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَجْمُوعِ وَالْمَجْمُوعُ غَيْرُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَرْكَانِهِ اهـ ذَكَرَهُ الشُّمُنِّيُّ عَلَى الْمُغْنِي.

قَوْلُهُ: (حُجُّوا) أَيْ ائْتُوا بِالْحَجِّ وَقَوْلُهُ قَبْلَ أَنْ لَا تَحُجُّوا، أَيْ قَبْلَ أَنْ تُمْنَعُوا مِنْ الْحَجِّ. وَقَوْلُهُ " أَنْ تَقْعُدَ " تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ " أَنْ لَا تَحُجُّوا ". وَقَوْلُهُ " الْأَوْدِيَةِ " جَمْعُ وَادٍ وَهُوَ مَا بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ، وَالْمُرَادُ هُنَا مَا هُوَ أَعَمُّ. وَقَوْلُهُ " السَّبِيلَ " أَيْ الْمُرُورَ فِي الطَّرِيقِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ مِنْ الشَّرَائِعِ الْقَدِيمَةِ) يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا بِمَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ، أَمَّا بِهَذِهِ الْهَيْئَةِ الْمَخْصُوصَةِ فَمِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ كَمَا يَدُلُّ لَهُ مَا بَعْدَهُ ق ل. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَوْلُهُ " وَهُوَ مِنْ الشَّرَائِعِ الْقَدِيمَةِ " أَيْ بِالنَّظَرِ لِلْمَعْنَى الَّذِي يُذْكَرُ بَعْدُ وَهُوَ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ وَعِبَارَةُ الْإِطْفِيحِيِّ عَلَى الْمَنْهَجِ: وَالْحَجُّ مِنْ الشَّرَائِعِ الْقَدِيمَةِ، أَيْ فَلَيْسَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، بَلْ الْقَوْلُ بِذَلِكَ غَرِيبٌ، بَلْ وَجَبَ عَلَى غَيْرِهَا أَيْضًا لِمَا وَرَدَ: " مَا مِنْ نَبِيٍّ إلَّا وَحَجَّ " لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ مَا وَجَبَ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ يَجِبُ عَلَى أُمَمِهِمْ خِلَافًا لِمَا اسْتَثْنَى مِنْ الْأَنْبِيَاءِ هُودًا وَصَالِحًا كَصَاحِبِ الْمَوَاهِبِ، فَهِيَ مَقَالَةٌ لَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهَا. وَدَخَلَ فِي عُمُومِ الْأَنْبِيَاءِ عِيسَى وَلَعَلَّ حِكْمَةَ اسْتِثْنَائِهِ هُودًا وَصَالِحًا عَلَى الْقَوْلِ بِهِ اشْتِغَالُهُمَا بِأَمْرِ قَوْمِهِمَا. قَوْلُهُ: «أَنَّ الْمَلَائِكَةَ كَانُوا يَطُوفُونَ» هَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَجَّ مِنْ الشَّرَائِعِ الْقَدِيمَةِ، وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الطَّوَافَ مِنْ الشَّرَائِعِ الْقَدِيمَةِ اهـ م ر، إلَّا أَنْ يُقَالَ مَحَلُّ الِاسْتِدْلَالِ قَوْلُهُ: لَمَّا حَجَّ آدَم.

<<  <  ج: ص:  >  >>