للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تِلْقَاءَ وَجْهِهِ. وَالرَّابِعُ بَدْؤُهُ بِالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ مُحَاذِيًا لَهُ أَوْ لِجُزْئِهِ فِي مُرُورِهِ بِبَدَنِهِ، فَلَوْ بَدَأَ بِغَيْرِهِ لَمْ يَحْسِبْ مَا طَافَهُ، فَإِذَا

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْبَيْتَ عَنْ الْيَمِينِ مُوَافَقَةً لِلْقَاعِدَةِ الْمَشْهُورَةِ وَهِيَ مَا كَانَ مِنْ بَابِ التَّكْرِيمِ يَكُونُ بِالْيَمِينِ وَمَا كَانَ مِنْ غَيْرِ التَّكْرِيمِ يَكُونُ بِالْيَسَارِ، وَقَدْ خَطَرَ ذَلِكَ بِي حَالَةَ الطَّوَافِ وَصِرْت أَتَرَدَّدُ فِي ذَلِكَ كَثِيرًا وَأَسْأَلُ عَنْهُ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَلَمْ يُوفِ أَحَدٌ بِالْمُرَادِ؛ حَتَّى اطَّلَعْت عَلَى هَذِهِ الْعِبَارَةِ فَاسْتَرَاحَ مِنَى الْفُؤَادُ؛ ثُمَّ رَأَيْت مَا هُوَ أَصْرَحُ مِنْ ذَلِكَ، وَنَصُّهُ: فَائِدَةٌ: مَا الْحِكْمَةُ فِي أَنَّ الْبَيْتَ يُجْعَلُ عَلَى يَسَارِ الطَّائِفِ؟ قِيلَ: لِأَنَّ الْقَلْبَ فِي جِهَةِ الْيَسَارِ فَيَكُونُ مِمَّا يَلِيهِ، وَقِيلَ: إنَّ مَنْ طَافَهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُتَعَلِّقًا بِهِ كَمَا طَافُوهُ بِشِمَالِهِمْ وَأَيْمَانِهِمْ الصُّحُفَ قَوْلُهُ: (مَارًّا تِلْقَاءَ وَجْهِهِ) وَلَوْ مُنَكَّسًا حَيْثُ جَعَلَهُ عَلَى يَسَارِهِ وَمَرَّ جِهَةَ الْبَابِ.

قَوْلُهُ: (بَدْؤُهُ بِالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ) وَجَاءَ أَنَّ آدَمَ نَزَلَ مِنْ الْجَنَّةِ وَمَعَهُ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ مُتَأَبِّطُهُ أَيْ تَحْتَ إبْطِهِ، وَهُوَ يَاقُوتَةٌ مِنْ يَوَاقِيتِ الْجَنَّةِ؛ وَلَوْلَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى طَمَسَ ضَوْأَهُ مَا اسْتَطَاعَ أَحَدٌ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهِ. وَرُوِيَ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبَّهٍ: أَنَّ آدَمَ لَمَّا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالْخُرُوجِ مِنْ الْجَنَّةِ أَخَذَ جَوْهَرَةً مِنْ الْجَنَّةِ الَّتِي هِيَ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ مَسَحَ بِهَا دُمُوعَهُ، فَلَمَّا نَزَلَ إلَى الْأَرْضِ لَمْ يَزَلْ يَبْكِي وَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَيَمْسَحُ دُمُوعَهُ بِتِلْكَ الْجَوْهَرَةِ حَتَّى اسْوَدَّتْ دُمُوعُهُ، ثُمَّ لَمَّا بَنَى الْبَيْتَ أَمَرَهُ جِبْرِيلُ أَنْ يَجْعَلَ تِلْكَ الْجَوْهَرَةَ فِي الرُّكْنِ فَفَعَلَ.

وَفِي بَهْجَةِ الْأَنْوَارِ: أَنَّ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ مَلَكًا صَالِحًا، وَلَمَّا خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ وَأَبَاحَ لَهُ الْجَنَّةَ كُلَّهَا إلَّا الشَّجَرَةَ الَّتِي نَهَاهُ عَنْهَا ثُمَّ جَعَلَ ذَلِكَ الْمَلَكَ مُوَكَّلًا عَلَى آدَمَ أَنْ لَا يَأْكُلَ مِنْ تِلْكَ الشَّجَرَةِ، فَلَمَّا قَدَّرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ آدَمَ يَأْكُلُ مِنْ تِلْكَ الشَّجَرَةِ غَابَ عَنْهُ ذَلِكَ الْمَلَكُ فَنَظَرَ اللَّهُ تَعَالَى إلَى ذَلِكَ الْمَلَكِ بِالْهَيْبَةِ فَصَارَ جَوْهَرًا؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ جَاءَ فِي الْأَحَادِيثِ: «الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَهُ يَدٌ وَلِسَانٌ وَأُذُنٌ وَعَيْنٌ» لِأَنَّهُ كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ مَلَكًا. وَرَأَيْت فِي تَرْجَمَةِ الشَّيْخِ كَمَالِ الدِّينِ الْإِخْمِيمِيِّ: أَنَّهُ لَمَّا جَاوَزَ بِمَكَّةَ رَأَى الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ وَقَدْ خَرَجَ مِنْ مَكَانِهِ فَصَارَ لَهُ يَدَانِ وَرَجُلَانِ وَوَجْهٌ وَمَشَى سَاعَةً ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَكَانِهِ. وَقَدْ جَاءَ: «أَكْثِرُوا مِنْ اسْتِلَامِ هَذَا الْحَجَرِ فَإِنَّكُمْ تُوشِكُونَ أَنْ تَفْقِدُوهُ، بَيْنَمَا النَّاسُ يَطُوفُونَ بِهِ ذَاتَ لَيْلَةٍ إذْ أَصْبَحُوا وَقَدْ فَقَدُوهُ» حَتَّى إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يُنَزِّلُ شَيْئًا مِنْ الْجَنَّةِ فِي الْأَرْضِ إلَّا أَعَادَهُ فِيهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، قَدْ جَاءَ: «لَيْسَ فِي الْأَرْضِ مِنْ الْجَنَّةِ إلَّا الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ وَالْمَقَامُ، فَإِنَّهُمَا جَوْهَرَتَانِ مِنْ جَوَاهِرِ الْجَنَّةِ مَا مَسَّهُمَا ذُو عَاهَةٍ إلَّا شَفَاهُ اللَّهُ» وَعِبَارَةُ الرَّحْمَانِيُّ: تَنْبِيهٌ: خَمْسَةُ أَشْيَاءَ خَرَجَتْ مِنْ الْجَنَّةِ مَعَ آدَمَ: عُودُ الْبَخُورِ، وَعَصَا مُوسَى مِنْ شَجَرِ الْآسِ، وَأَوْرَاقُ التِّينِ الَّتِي كَانَ يَسْتَتِرُ بِهَا آدَم، وَالْحَجَرُ الْأَسْوَدُ، وَخَاتَمُ سُلَيْمَانَ.

قَالَ شَيْخُنَا أج:

وَآدَمُ مَعَهُ أُهْبِطَ الْعُودُ وَالْعَصَا ... لِمُوسَى مِنْ الْآسِ النَّبَاتِ الْمُكَرَّمِ

وَأَوْرَاقِ تِينٍ وَالْيَمِينُ بِمَكَّةَ ... وَخَتْمُ سُلَيْمَانَ النَّبِيِّ الْمُعَظَّمِ

زَادَ شَيْخُنَا: الْحَجَرُ الَّذِي رَبَطَهُ نَبِيُّنَا عَلَى بَطْنِهِ وَمَقَامَ إبْرَاهِيمَ، وَهُوَ الْحَجَرُ الَّذِي كَانَ يَقِفُ عَلَيْهِ لِبِنَاءِ الْبَيْتِ فَيَرْتَفِعُ بِهِ حَتَّى يَضَعَ الْحَجَرَ وَيَهْبِطَ حَتَّى يَتَنَاوَلَهُ مِنْ إسْمَاعِيلَ وَفِيهِ أَثَرُ قَدَمَيْهِ، نَادَى عَلَيْهِ: أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ اللَّهَ بَنَى لَكُمْ بَيْتًا فَحُجُّوهُ، فَأَجَابَتْهُ النُّطَفُ وَالْأَجِنَّةُ بِلَبَّيْكَ، أَوْ عَلَى الْحَجُونِ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ الْجِيمِ جَبَلٌ بِمُعَلَّاةِ مَكَّةَ، وَجُمِعَ بِتَعَدُّدِ النِّدَاءِ. وَمِنْ آيَاتِهِ الْبَاهِرَةِ بَقَاؤُهُ مَعَ كَثْرَةِ الْمُعَانِدِينَ جَاهِلِيَّةً وَإِسْلَامًا عَلَى حَالِهِ وَمَعَ كَثْرَةِ السُّيُولِ الْمُحَرِّكَةِ لِأَكْبَرَ مِنْهُ، وَقِيلَ: إنَّهُ كَانَ مُلَاصِقًا الْبَيْتَ فَرَدَّهُ عُمَرُ بِاجْتِهَادِهِ؛ وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ. اهـ. حَجّ.

قَوْلُهُ: (مُحَاذِيًا لَهُ أَوْ لِجُزْئِهِ) أَيْ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ، وَالْمُرَادُ بِهِ شِقُّهُ الْأَيْسَرُ أَيْ جَمِيعُهُ؛ فَلَوْ تَقَدَّمَ جُزْءٌ مِنْ شِقِّهِ الْأَيْسَرِ عَلَى الْحَجَرِ لَمْ يَكْفِ، فَقَوْلُهُ " أَوْ جُزْئِهِ " أَيْ بِأَنْ كَانَ نَحِيفًا وَحَاذَى بِجَمِيعِ بَدَنِهِ بَعْضَ الْحَجَرِ كَمَا فِي ز ي. وَقَالَ ع ش فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى م ر: وَالْمُرَادُ بِالشِّقِّ الْأَيْسَرِ أَعْلَاهُ الْمُحَاذِي لِلصَّدْرِ وَهُوَ الْمَنْكِبُ، فَلَوْ انْحَرَفَ عَنْهُ بِهَذَا أَوْ حَاذَاهُ بِمَا تَحْتَهُ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>