للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَأَنْ يُقَبِّلَهُ وَيَسْجُدَ عَلَيْهِ وَيَفْعَلَ بِمَحَلِّهِ إذَا أُزِيلَ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى كَذَلِكَ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ التَّقْبِيلِ اسْتَلَمَ بِيَدِهِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ اسْتِلَامِهِ أَشَارَ إلَيْهِ. وَيُرَاعِي ذَلِكَ الِاسْتِلَامُ وَمَا بَعْدَهُ فِي كُلِّ طَوْفَةٍ، وَلَا يُسَنُّ تَقْبِيلُ الرُّكْنَيْنِ الشَّامِيِّينَ وَلَا اسْتِلَامُهُمَا، وَيُسَنُّ اسْتِلَامُ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ وَلَا يُسَنُّ تَقْبِيلُهُ، وَلِلطَّوَافِ سُنَنٌ أُخَرُ وَأَدْعِيَةٌ ذَكَرْتهَا فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ وَغَيْرِهِ.

ــ

[حاشية البجيرمي]

فَقَدْ صَرَفَ لِغَيْرِهِ ذِي ثَمَانٍ ... قَدْ حَكَى نَظْمَهَا نَظَّامُ الدَّرَارِي

قَوْلُهُ: (وَأَنْ يَسْتَلِمَ الْحَجَرَ) أَيْ كُلٌّ مِنْ الرَّجُلِ وَغَيْرِهِ. وَإِنَّمَا تُسَنُّ الثَّلَاثَةُ لِلْمَرْأَةِ إذَا خَلَا الْمَطَافُ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا، وَإِنْ خَصَّهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِاللَّيْلِ وَالْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ؛ مَنْهَجٌ. وَقَدْ ثَبَتَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبَّلَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ، وَثَبَتَ أَنَّهُ اسْتَلَمَهُ بِيَدِهِ ثُمَّ قَبَّلَهَا، وَثَبَتَ أَنَّهُ اسْتَلَمَهُ بِمِحْجَنِهِ فَقِيلَ الْمِحْجَنُ» وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبَّلَ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ وَلَا قَبَّلَ يَدَهُ حِينَ اسْتَلَمَهُ. وَرَوَى إمَامُنَا الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قَالَ: «اسْتَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحَجَرَ فَاسْتَلَمَهُ ثُمَّ وَضَعَ شَفَتَيْهِ عَلَيْهِ طَوِيلًا: وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا اسْتَلَمَ الْحَجَرَ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، وَقَالَ بَيْنَهُمَا أَيْ بَيْنَ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ وَالْحَجَرِ: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً} [البقرة: ٢٠١] » إلَخْ. وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْءٌ مِنْ الْأَذْكَارِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَحَلِّ حَوْلَ الْكَعْبَةِ، وَلَمْ يَسْتَلِمْ الرُّكْنَيْنِ الْمُقَابِلِينَ لِلْحَجَرِ أَيْ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا عَلَى قَوَاعِدِ سَيِّدِنَا إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «إنَّك رَجُلٌ قَوِيٌّ لَا تُزَاحِمْ عَلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ تُؤْذِي الضَّعِيفَ، إنْ وَجَدَتْ خَلْوَةً فَاسْتَقْبِلْهُ وَهَلِّلْ وَكَبِّرْ» . وَأَخَذَ مِنْهُ بَعْضُ فُقَهَائِنَا أَنَّ مَنْ شُقَّ عَلَيْهِ اسْتِلَامُ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ سُنَّ لَهُ أَنْ يُهَلَّلَ وَيُكَبِّرَ، ذَكَرَهُ ح ل فِي السِّيرَةِ.

قَوْلُهُ: (وَأَنْ يُقَبِّلَهُ) قَالَ ز ي: وَيَلْزَمُ مَنْ قَبَّلَ الْحَجَرَ أَنْ يُقِرَّ قَدَمَيْهِ فِي مَحَلٍّ حَتَّى يَعْتَدِلَ قَائِمًا، فَإِنْ مَسَّ بِرَأْسِهِ حَالَ التَّقْبِيلِ جُزْءًا مِنْ الْبَيْتِ أَعَادَهُ؛ وَبِهِ يُقَاسُ مَنْ يَسْتَلِمُهُ، وَيَسْتَلِمُ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ أَيْضًا اهـ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُخَفِّفَ الْقُبْلَةَ لِلْحَجَرِ، وَيَنْبَغِي أَنَّ مِثْلَهُ فِي ذَلِكَ مَا طَلَبَ تَقْبِيلَهُ مِنْ يَدِ عَالِمٍ وَوَلِيٌّ وَوَالِدٌ وَأَضْرِحَةٍ. تَنْبِيهٌ: قَدْ تَقَرَّرَ أَنَّهُ يُسَنَّ تَقْبِيلُ يَدِ الصَّالِحِ بَلْ وَرِجْلُهُ، فَلَوْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ فَهَلْ يَأْتِي فِيهِ مَا يُمْكِنُ مِنْ نَظِيرِ مَا هُنَا حَتَّى يَسْتَلِمَ الْيَدَ أَوْ الرِّجْلَ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ تَقْبِيلِهَا ثُمَّ يُقَبِّلُ مَا اسْتَلَمَ بِهِ وَحَتَّى يُشِيرَ إلَيْهَا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ اسْتِلَامِهَا أَيْضًا ثُمَّ يُقَبِّلُ مَا أَشَارَ بِهِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، سم عَلَى حَجّ. أَقُولُ: الْأَقْرَبُ عَدَمُ سَنِّ ذَلِكَ، وَالْفَرْقُ أَنَّ أَعْمَالَ الْحَجِّ يَغْلِبُ عَلَيْهَا الِاتِّبَاعُ فِي طَلَبِ مَا وَرَدَ فِعْلُهُ عَنْ الشَّارِعِ وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِغَيْرِهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ، وَلَا كَذَلِكَ يَدُ الصَّالِحِ فَإِنَّ تَقْبِيلَهَا شُرِعَ تَعْظِيمًا لَهُ وَتَبَرُّكًا بِهَا فَلَا يَتَعَدَّاهَا إلَى غَيْرِهَا ع ش عَلَى م ر. فَائِدَةٌ: اسْتَنْبَطَ بَعْضُهُمْ مِنْ تَقْبِيلِ الْحَجَرِ تَقْبِيلَ الْمُصْحَفِ وَالْقَبْرِ النَّبَوِيِّ وَالْقُبُورِ الشَّرِيفَةِ وَقُبُورِ الصُّلَحَاءِ، وَمِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ ابْنُ أَبِي الصَّيْفِ الْيَمَنِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ.

قَوْلُهُ: (وَيَسْجُدُ عَلَيْهِ) أَيْ يَضَعُ جَبْهَتَهُ عَلَيْهِ بِقَصْدِ التَّعْظِيمِ.

قَوْلُهُ: (فَإِنْ عَجَزَ عَنْ التَّقْبِيلِ) عِبَارَةُ الْمَنْهَجِ: فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْأَخِيرَيْنِ أَوْ الْأَخِيرِ اسْتَلَمَ بِلَا تَقْبِيلٍ فِي الْأُولَى وَبِهِ فِي الثَّانِيَةِ.

قَوْلُهُ: (أَشَارَ إلَيْهِ بِيَدِهِ) أَيْ الْيُمْنَى، فَإِنْ عَجَزَ فَبِالْيُسْرَى.

قَوْلُهُ: (وَيُرَاعِي ذَلِكَ الِاسْتِلَامَ) كَالتَّقْبِيلِ وَالسُّجُودِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُسَنُّ تَقْبِيلُ الرُّكْنَيْنِ الشَّامِيِّينَ) قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ: وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِ الْأَرْكَانِ فِي هَذِهِ الْأَحْكَامِ أَنَّ رُكْنَ الْحَجَرِ فِيهِ فَضِيلَتَانِ: كَوْنُ الْحَجَرِ فِيهِ، وَكَوْنُهُ عَلَى قَوَاعِدِ أَبِينَا إبْرَاهِيمَ؛ وَالْيَمَانِيُّ فِيهِ فَضِيلَةٌ وَاحِدَةٌ وَهُوَ كَوْنُهُ عَلَى قَوَاعِدِ أَبِينَا إبْرَاهِيمَ، وَأَمَّا الشَّامِيَّانِ فَلَيْسَ لَهُمَا شَيْءٌ مِنْ الْفَضِيلَتَيْنِ. قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ اسْتِلَامُ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ) وَمِمَّا وَرَدَ فِي فَضْلِ الْيَمَانِيِّ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا مَرَرْت بِالرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ إلَّا وَعِنْدَهُ مَلَكٍ يُنَادِي آمِينَ آمِينَ فَإِذَا مَرَرْتُمْ بِهِ فَقُولُوا: اللَّهُمَّ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وُكِّلَ بِالرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ سَبْعُونَ مَلَكًا، مَنْ قَالَ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً قَالُوا آمِينَ» . قَالَ الْعِزُّ بْنُ جَمَاعَةَ: وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ عَلَى تَقْدِيرِ الصِّحَّةِ إذْ يَحْتَمِلُ أَنَّ السَّبْعِينَ مُوَكَّلُونَ بِهِ لَمْ يُكَلَّفُوا التَّأْمِينَ، وَإِنَّمَا يُؤَمِّنُونَ

<<  <  ج: ص:  >  >>