للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: ١٩٦] فَإِنَّهُ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ وَصُورَةُ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ فَاسِدًا أَنْ يُفْسِدَ الْعُمْرَةَ بِالْجِمَاعِ ثُمَّ يُدْخِلُ عَلَيْهَا الْحَجَّ فَإِنَّهُ يَصِحُّ عَلَى الْأَصَحِّ وَيَنْعَقِدُ فَاسِدًا عَلَى الْأَصَحِّ فِي الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الْإِحْرَامِ. قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: وَإِذَا سُئِلْت عَنْ إحْرَامٍ يَنْعَقِدُ فَاسِدًا فَهَذِهِ صُورَتُهُ وَلَا أَعْلَمُ لَهَا أُخْرَى اهـ. وَأَمَّا إذَا أَحْرَمَ وَهُوَ مُجَامِعٌ فَلَمْ يَنْعَقِدْ إحْرَامُهُ عَلَى الْأَصَحِّ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي وَهُوَ الْفَوَاتُ فَقَالَ: (وَمَنْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ) بِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ وَذَلِكَ بِطُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ قَبْلَ حُضُورِهِ عَرَفَاتٍ وَبِفَوَاتِهِ يَفُوتُ الْحَجُّ (تَحَلَّلَ) وُجُوبًا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ لِئَلَّا يَصِيرَ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ، وَاسْتِدَامَةُ الْإِحْرَامِ كَابْتِدَائِهِ وَابْتِدَاؤُهُ حِينَئِذٍ لَا يَجُوزُ وَلَمْ يَحْصُلْ التَّحَلُّلُ (بِعُمْرَةٍ) أَيْ بِعَمَلِهَا فَيَأْتِيَ بِأَرْكَانِهَا الْخَمْسَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ بَيَانُهَا. نَعَمْ شَرْطُ إيجَابِ السَّعْيِ أَنْ لَا يَكُونَ سَعَى بَعْدَ طَوَافِ قُدُومٍ، فَإِنْ كَانَ سَعَى لَمْ يَحْتَجْ لِإِعَادَتِهِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ (وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ) فَوْرًا مِنْ قَابِلٍ لِلْحَجِّ الَّذِي فَاتَهُ بِفَوَاتِ الْوُقُوفِ سَوَاءٌ كَانَ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا كَمَا فِي الْإِفْسَادِ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ تَقْصِيرٍ، وَإِنَّمَا يَجِبُ الْقَضَاءُ فِي فَوَاتٍ لَمْ يَنْشَأْ عَنْ حَصْرٍ فَإِنْ نَشَأَ عَنْهُ بِأَنْ أُحْصِرَ فَسَلَكَ طَرِيقًا آخَرَ فَفَاتَهُ الْحَجُّ وَتَحَلَّلَ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ بَذَلَ مَا فِي وُسْعِهِ. فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ تُوصَفُ حِجَّةُ

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَالْبَاطِلِ. قَوْلُهُ: (وَصُورَةُ الْإِحْرَامِ إلَخْ) هَذِهِ فَائِدَةٌ جَدِيدَةٌ لَيْسَتْ تَصْوِيرًا لِمَا قَبْلَهَا؛ لِأَنَّ مَا قَبْلَهَا طَرَأَ فِيهِ الْفَسَادُ بَعْدَ صِحَّتِهِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ.

قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ) أَيْ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ يَصِحُّ إلَخْ.

قَوْلُهُ: (وَأَمَّا إذَا أَحْرَمَ وَهُوَ مُجَامِعٌ إلَخْ) هَذِهِ تَقَدَّمَتْ، وَغَرَضُهُ مِنْ الْإِتْيَانِ بِهَا الرَّدُّ عَلَى مَنْ جَعَلَهُ انْعَقَدَ فَاسِدًا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَيْضًا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ " عَلَى الْأَصَحِّ ".

قَوْلُهُ: (وَمَنْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ) أَيْ مِنْ غَيْرِ حَصْرٍ، أَمَّا مَعَ الْحَصْرِ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ يَأْتِي. قَوْلُهُ: (بِعُذْرٍ) أَيْ غَيْرِ الْحَصْرِ.

قَوْلُهُ: (قَبْلَ حُضُورِهِ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ مِنْ قَوْلِهِ: " وَمَنْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ ".

قَوْلُهُ: (تَحَلَّلَ وُجُوبًا) أَيْ بِنِيَّةِ التَّحَلُّلِ، أَيْ الْخُرُوجِ مِنْ الْحَجِّ عَلَى الْأَوْجَهِ ز ي؛ لِأَنَّهُ إذَا أَتَى بِأَعْمَالِهَا خَرَجَ مِنْ الْحَجِّ وَصَارَ حَلَالًا. وَلَا يُشْتَرَطُ نِيَّةُ الْعُمْرَةِ كَمَا قَالَهُ ز ي؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهَا التَّحَلُّلُ، وَلَا تُجْزِئُهُ عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ كَمَا يَأْتِي، فَلَوْ اسْتَدَامَهُ أَيْ الْحَجَّ الْفَاسِدَ حَتَّى حَجَّ مِنْ قَابِلٍ لَمْ يُجْزِهِ مَا لَوْ وَقَفَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ، بَلْ يَجِبُ أَنْ يُصَابِرَ الْإِحْرَامَ لِلطَّوَافِ وَالسَّعْيِ لِبَقَاءِ وَقْتِهِمَا لِأَنَّهُ لَا آخِرَ لَهُ مَعَ تَبَعِيَّتِهِمَا لِلْوُقُوفِ، فَإِنَّهُ الرُّكْنُ الْأَعْظَمُ كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ. وَهَذَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي: وَمَنْ تَرَكَ رُكْنًا إلَخْ.

قَوْلُهُ: (وَابْتِدَاؤُهُ) أَيْ فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ، وَقَوْلُهُ " لَا يَجُوزُ " أَيْ لِبَقَاءِ بَعْضِ الْأَعْمَالِ عَلَيْهِ ح ل. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ " وَابْتِدَاؤُهُ " أَيْ مِنْ هَذَا الْمُحْرِمِ أَوْ ابْتِدَاؤُهُ حَجًّا كَمَا قَالَهُ سُلْطَانُ، فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَجُوزُ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ وَيَنْعَقِدُ عُمْرَةً. وَحَاصِلُ الْجَوَابِ: أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ ابْتِدَاءَهُ حِينَئِذٍ لَا يَجُوزُ لِهَذَا الْمُحْرِمِ أَوْ ابْتِدَاؤُهُ حَجًّا، فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يَجُوزُ لِشَخْصٍ آخَرَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ فِي هَذَا الْوَقْتِ وَيَنْعَقِدُ عُمْرَةً، شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (أَيْ بِعَمَلِهَا) وَمَا فَعَلَهُ مِنْ عَمَلِ الْعُمْرَةِ يَحْصُلُ التَّحَلُّلُ الثَّانِي، وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَيَحْصُلُ بِوَاحِدٍ مِنْ الْحَلْقِ وَالطَّوَافِ الْمَتْبُوعِ بِالسَّعْيِ لِسُقُوطِ حُكْمِ الرَّمْيِ بِالْفَوَاتِ، فَصَارَ كَمَنْ رَمَى وَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ الْعُمْرَةِ؛ لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ التَّحَلُّلِ بِهَا. قَالَ سم: يَنْبَغِي عِنْدَ كُلٍّ مِنْهَا أَيْ مِنْ أَعْمَالِهَا إذْ لَيْسَتْ عُمْرَةً حَتَّى يَكْفِي لَهَا نِيَّةٌ فِي أَوَّلِهَا.

قَوْلُهُ: (بِأَرْكَانِهَا الْخَمْسَةِ) لَوْ سَكَتَ عَنْ لَفْظِ خَمْسَةٍ لَكَانَ صَوَابًا، إذْ لَيْسَ هُنَا نِيَّةُ إحْرَامٍ بِهَا وَإِنَّمَا هُنَا نِيَّةُ تَحَلُّلٍ وَلَيْسَتْ مِنْ أَرْكَانِهَا م د.

قَوْلُهُ: (فَوْرًا) وَلَا يُشْتَرَطُ الِاسْتِطَاعَةُ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ وَلَوْ مَاشِيًا، وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مَرْحَلَتَانِ فَأَكْثَرَ؛ وَهَذِهِ الْعُمْرَةُ الَّتِي حَصَلَ التَّحَلُّلُ بِهَا لَهَا تَحَلُّلَانِ: الْأَوَّلُ: يَحْصُلُ بِفِعْلِ الْحَلْقِ أَوْ الطَّوَافِ الْمَتْبُوعِ بِالسَّعْيِ إنْ كَانَ هُنَاكَ سَعْيٌ، وَالتَّحَلُّلُ الثَّانِي بِفِعْلِ الْآخَرِ؛ فَقَوْلُهُمْ " الْعُمْرَةُ لَهَا تَحَلُّلٌ وَاحِدٌ " أَيْ غَيْرُ عُمْرَةِ الْفَوَاتِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ) أَيْ مَنْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ. قَوْلُهُ: (فَسَلَكَ طَرِيقًا آخَرَ) أَيْ أَطْوَلَ مِنْ الْأَوَّلِ، أَمَّا لَوْ سَلَكَ طَرِيقًا آخَرَ مُسَاوِيًا لِلْأَوَّلِ أَوْ أَقْرَبَ

<<  <  ج: ص:  >  >>