للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مَا بِعْتُكُمْ مُهْجَتِي إلَّا بِوَصْلِكُمْ ... وَلَا أُسَلِّمُهَا إلَّا يَدًا بِيَدِ

وَشَرْعًا مُقَابَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَاتٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: ٢٧٥] وَأَحَادِيثُ كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا الْبَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ» (الْبُيُوعُ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ) أَيْ أَنْوَاعٍ بَلْ أَرْبَعَةٌ كَمَا سَيَأْتِي. الْأَوَّلُ. (بَيْعُ عَيْنٍ مُشَاهَدَةٍ) أَيْ مَرْئِيَّةٍ لِلْمُتَبَايِعَيْنِ (فَجَائِزٌ) لِانْتِفَاءِ الْغَرَرِ.

(وَ) الثَّانِي (بَيْعُ شَيْءٍ) يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ (مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ)

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مُقَابَلَةُ شَيْءٍ بِشَيْءٍ مِمَّا يُقْصَدُ بِهِ التَّبَادُلُ لَا نَحْوُ سَلَامٍ بِسَلَامٍ وَقِيَامٍ بِقِيَامٍ وَنَحْوُهُ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَإِنْ جَرَى فِي تَدْرِيبِهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَقِيلَ: الْأَوْلَى بَقَاءُ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ عَلَى إطْلَاقِهِ بِدَلِيلِ الْبَيْتِ الْمَذْكُورِ؛ وَلِأَنَّ الْفُقَهَاءَ لَا دَخْلَ لَهُمْ فِي تَقْيِيدِ كَلَامِ اللُّغَوِيِّينَ، لَكِنْ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: الْأَصْلُ فِي الْبَيْعِ مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ كَقَوْلِهِمْ: بَيْعٌ رَابِحٌ وَبَيْعٌ خَاسِرٌ، وَذَلِكَ حَقِيقَةٌ فِي وَصْفِ الْأَعْيَانِ؛ لَكِنَّهُ أُطْلِقَ عَلَى الْعَقْدِ مَجَازًا لِأَنَّهُ سَبَبُ التَّمْلِيكِ وَالتَّمَلُّكِ اهـ. وَقَوْلُهُ: " مَجَازًا " أَيْ لُغَوِيًّا، فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ فِي الْعَقْدِ وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يُطْلَقُ لُغَةً إلَّا عَلَى مُقَابَلَةِ الْمَالِ بِالْمَالِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: " مَا بِعْتُكُمْ مُهْجَتِي إلَخْ " فَهُوَ مَجَازٌ عَلَى أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مُوَلَّدٌ. قَوْلُهُ: (مَا بِعْتُكُمْ مُهْجَتِي إلَخْ) وَبَعْدَهُ: فَإِنْ وَفَيْتُمْ بِمَا قُلْتُمْ وَفَيْت أَنَا وَإِنْ غَدَرْتُمْ فَإِنَّ الرَّهْنَ تَحْتَ يَدِي وَالْمُرَادُ بِالْمُهْجَةِ الرُّوحُ.

قَوْلُهُ: (إلَّا يَدًا) مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ أَيْ إلَّا مُقَابَضَةً. قَوْلُهُ: (مُقَابَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ إلَخْ) هُوَ مِنْ التَّعْرِيفِ بِالْأَعَمِّ الْمُحَالِ عَلَى الْمَجْهُولِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَوْلُهُ " مُقَابَلَةُ " أَيْ ذُو مُقَابَلَةٍ، أَيْ عَقْدٌ يَتَضَمَّنُ الْمُقَابَلَةَ. وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ قَوْلَهُ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ يَشْمَلُ الْعَقْدَ وَالشُّرُوطَ فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ، وَلَوْ عَرَفَهُ كَغَيْرِهِ بِقَوْلِهِ: " هُوَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ مَحْضَةٍ يَقْتَضِي مِلْكَ عَيْنٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ عَلَى الدَّوَامِ لَا عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ " لَكَانَ وَافِيًا بِالْمَقْصُودِ، فَخَرَجَ بِالْمُعَاوَضَةِ نَحْوُ الْهِبَةِ وَبِالْمَحْضَةِ نَحْوُ النِّكَاحِ وَبِمِلْكِ الْعَيْنِ الْإِجَارَةُ وَبِغَيْرِ وَجْهِ الْقُرْبَةِ الْقَرْضُ. وَالْمُرَادُ بِالْمَنْفَعَةِ الْمُؤَبَّدَةِ بَيْعُ حَقِّ الْمَمَرِّ ق ل، أَيْ لِلْمَاءِ مَثَلًا بِأَنْ لَا يَصِلَ الْمَاءُ إلَى مَحَلِّهِ إلَّا بِوَاسِطَةِ مِلْكِ غَيْرِهِ، وَمِثْلُهُ بَيْعُ حَقِّ الْبِنَاءِ وَالْخَشَبِ عَلَى جِدَارٍ.

فَرْعٌ: لَا يَبْعُدُ اشْتِرَاطُ الصِّيغَةِ فِي نَقْلِ الْيَدِ فِي الِاخْتِصَاصِ، كَأَنْ يَقُولَ: رَفَعْت يَدَيَّ عَنْ هَذَا الِاخْتِصَاصِ. وَلَا يَبْعُدُ جَوَازُ أَخْذِ الْعِوَضِ عَنْ نَقْلِ الْيَدِ كَمَا فِي النُّزُولِ عَنْ الْوَظَائِفِ.

قَوْلُهُ: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) أَيْ الْمَعْهُودَ عِنْدَهُمْ، وَهُوَ مُقَابَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ، فَالْآيَةُ مُتَّضِحَةُ الدَّلَالَةِ لَا مُجْمَلَةٌ بِخِلَافِ قَوْله تَعَالَى: {وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: ٤٣] فَإِنَّهَا مُجْمَلَةٌ وَلَمْ تَتَّضِحْ دَلَالَتُهَا إلَّا بِكِتَابِ أَبِي بَكْرٍ لِأَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بِالصَّدَقَاتِ.

قَوْلُهُ: (أَيْ مَرْئِيَّةٍ) أَعَمُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ الرُّؤْيَةُ وَقْتَ الْعَقْدِ أَوْ قَبْلَهُ وَلَمْ يَمْضِ زَمَنٌ تَتَغَيَّرُ فِيهِ إلَى وَقْتِ الْعَقْدِ، وَأَعَمُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ الرُّؤْيَةُ لِكُلِّ الْمَبِيعِ كَصَاعٍ أَوْ لِبَعْضِهِ كَبَيْعِ الصُّبْرَةِ بِتَمَامِهَا أَوْ كَانَتْ الرُّؤْيَةُ لِظَرْفِهِ كَالرُّمَّانِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يَأْتِي؛ لِأَنَّهُ صَوَانِي لَهُ. وَعِبَارَةُ الْمَدَابِغِيِّ: قَوْلُهُ " مَرْئِيَّةٍ " أَيْ كُلًّا أَوْ بَعْضًا أَوْ حُكْمًا فِيمَا كَانَ صِوَانًا لَهُ.

قَوْلُهُ: (لِانْتِفَاءِ الْغَرَرِ) وَهُوَ مَا انْطَوَتْ عَنَّا عَاقِبَتُهُ أَوْ تَرَدَّدَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ أَغْلَبُهُمَا أَخْوَفُهُمَا، أَيْ شَأْنُهُ ذَلِكَ كَالسَّمَكِ فِي الْبَحْرِ وَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ.

قَوْلُهُ: (بَيْعُ شَيْءٍ) أَيْ عَيْنٍ.

قَوْلُهُ: (يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ مَعَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إذَا وُجِدَتْ الصِّفَةُ، فَكَانَ الْأَوْلَى حَذْفُهُ لِأَنَّ كَلَامَهُ فِي الْبَيْعِ فِي الذِّمَّةِ بِلَفْظِ الْبَيْعِ وَهُوَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ ذَلِكَ أَيْ صِحَّةُ السَّلَمِ فِيهِ، بَلْ يَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ السَّلَمُ فِيهِ كَجَارِيَةٍ وَوَلَدِهَا مَثَلًا مَعَ صِفَاتِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَلُؤْلُؤٌ كِبَارٌ وَيَاقُوتٌ، فَإِنَّ هَذَا إذَا وُصِفَ وَعُقِدَ بِلَفْظِ الْبَيْعِ يَصِحُّ وَإِنْ عُقِدَ بِلَفْظِ

<<  <  ج: ص:  >  >>