كَانَ مِنْ مَأْكُولِ اللَّحْمِ أَمْ مِنْ غَيْرِهِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «إنَّمَا حُرِّمَ مِنْ الْمَيْتَةِ أَكْلُهَا» وَخَرَجَ بِالْجِلْدِ الشَّعْرُ لِعَدَمِ تَأَثُّرِهِ بِالدَّبْغِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَيُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ. (إلَّا جِلْدَ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ) فَلَا يُطَهِّرُهُ الدَّبْغُ قَطْعًا، لِأَنَّ الْحَيَاةَ فِي إفَادَةِ الطَّهَارَةِ أَبْلَغُ مِنْ الدَّبْغِ وَالْحَيَاةُ لَا تُفِيدُ طَهَارَتَهُ.
(وَ) كَذَا (مَا تَوَلَّدَ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا) مَعَ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ لِمَا ذُكِرَ، (وَعَظْمُ) الْحَيَوَانَاتِ (الْمَيِّتَةِ وَشَعْرُهَا) وَقَرْنُهَا وَظُفْرُهَا وَظِلْفُهَا (نَجِسٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [المائدة: ٣] وَتَحْرِيمُ مَا لَا حُرْمَةَ لَهُ وَلَا ضَرَرَ فِيهِ يَدُلُّ عَلَى نَجَاسَتِهِ، وَالْمَيْتَةُ مَا زَالَتْ حَيَاتُهَا بِغَيْرِ ذَكَاةٍ شَرْعِيَّةٍ فَيَدْخُلُ فِي الْمَيْتَةِ مَا لَا يُؤْكَلُ إذَا ذُبِحَ، وَكَذَا مَا يُؤْكَلُ إذَا اخْتَلَّ فِيهِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
يَمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ مَانِعٌ) بِأَنْ كَانَ فِيهِ نَجَسٌ يَسُدُّ الْفُرَجَ كَشَعْرٍ لَمْ يُلَاقِ الدَّابِغَ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَحِلُّ أَكْلُهُ) أَيْ جِلْدِ الْمَيِّتَةِ الْمَدْبُوغِ، أَمَّا جِلْدُ الْمُذَكَّى بَعْدَ دَبْغِهِ فَيَجُوزُ أَكْلُهُ مَا لَمْ يَضُرَّ.
قَوْلُهُ: (إنَّمَا حَرُمَ مِنْ الْمَيْتَةِ أَكْلُهَا) فَهُوَ شَامِلٌ لِجِلْدِهَا وَإِنْ دُبِغَ. وَقَوْلُ ق ل: لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ دَلِيلٌ لِدَعْوَاهُ اهـ لَيْسَ بِظَاهِرٍ، لَكِنْ الْقَلْيُوبِيُّ فَهِمَ أَنَّ تَحْرِيمَ الْأَكْلِ الَّذِي فِي الْحَدِيثِ قَبْلَ الدِّبَاغِ.
قَوْلُهُ: (وَخَرَجَ بِالْجِلْدِ الشَّعْرُ) عِبَارَةُ شَرْحِ م ر. وَخَرَجَ بِالْجِلْدِ الشَّعْرُ فَلَا يَطْهُرُ بِهِ وَإِنْ أُلْقِيَ فِي الْمَدْبَغَةِ وَعَمَّهُ الدَّابِغُ لِأَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ، لَكِنْ يُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ وَإِنْ قَالَ الشَّيْخُ إنَّهُ يَطْهُرُ تَبَعًا وَإِنْ لَمْ يَتَأَثَّرْ بِالدَّبْغِ.
قَوْلُهُ: (وَيُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ) فَهُوَ نَجِسٌ مَعْفُوٌّ عَنْهُ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ طَاهِرٌ تَبَعًا لِلْجِلْدِ كَدَنِّ الْخَمْرِ لِلْفَرْقِ، فَإِنَّ الْقَوْلَ بِطَهَارَةِ دَنِّ الْخَمْرَةِ لِلضَّرُورَةِ إذْ لَوْلَا الْحُكْمُ بِطَهَارَتِهِ لَمْ يُوجَدْ طَهَارَةُ خَلٍّ أَصْلًا عَنْ خَمْرٍ، وَلَا ضَرُورَةَ إلَى طَهَارَةِ الشَّعْرِ لِإِمْكَانِ إزَالَتِهِ، وَلِأَنَّهُ يُنْتَفَعُ بِالْجِلْدِ لَا مِنْ جِهَةِ الشَّعْرِ، أَمَّا الْكَثِيرُ فَلَا يُعْفَى عَنْهُ أَصْلًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَاخْتَارَ السُّبْكِيُّ تَبَعًا لِلنَّصِّ وَجَمْعٍ مِنْ الْأَصْحَابِ طَهَارَةَ الشَّعْرِ وَإِنْ كَثُرَ. وَقَالَ: هَذَا لَا شَكَّ فِيهِ عِنْدِي وَهَذَا الَّذِي أَعْتَقِدُهُ وَأُفْتِي بِهِ. اهـ. سم. وَبِهِ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ اهـ.
قَوْلُهُ: (وَالْخِنْزِيرِ) اعْتَرَضَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْخِنْزِيرَ لَا جِلْدَ لَهُ وَشَعْرُهُ فِي لَحْمِهِ، وَعَلَيْهِ فَذَكَرَهُ لِبَيَانِ حُكْمِهِ لَوْ كَانَ، وَقِيلَ إنَّهُ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا لَهُ جِلْدٌ. اهـ. ق ل. قَوْلُهُ: (أَبْلَغُ) لَعَلَّ وَجْهَ الْأَبْلَغِيَّةِ أَنَّهَا تُفِيدُ جَمِيعَ أَجْزَاءِ الْحَيَوَانِ الطَّهَارَةَ بِخِلَافِ الدَّبْغِ إذْ لَا يُفِيدُ إلَّا الْجِلْدُ فَقَطْ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (مَعَ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ) أَيْ غَيْرِ آدَمِيٍّ وَهَذَا مُرَادُ ق ل بِقَوْلِهِ فِي عُمُومِهِ تَقْيِيدٌ يَأْتِي فِي مَحَلِّهِ اهـ.
قَوْلُهُ: (لِمَا ذُكِرَ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ لِأَنَّ الْحَيَاةَ فِي إفَادَةِ إلَخْ.
قَوْلُهُ: (وَقَرْنُهَا) وَكَذَا سِنُّهَا وَحَافِرُهَا، وَقَدْ يَشْمَلُ جَمِيعَ ذَلِكَ الْعَظْمُ، وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ مِنْ عَطْفِ الْجُزْءِ عَلَى كُلِّهِ، وَكَذَا لَبَنُهَا وَبَيْضُهَا إنْ لَمْ يَتَصَلَّبْ وَمِسْكُهَا إنْ لَمْ يَتَهَيَّأْ لِلْوُقُوعِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ: بِطَهَارَةِ الشَّعْرِ وَالصُّوفِ وَالْوَبَرِ. زَادَ أَبُو حَنِيفَةَ فَقَالَ بِطَهَارَةِ الْقَرْنِ وَالسِّنِّ وَالْعَظْمِ وَالرِّيشِ إذْ لَا رُوحَ فِيهِ.
وَقَالَ مَالِكٌ: بِطَهَارَةِ الشَّعْرِ وَالصُّوفِ وَالْوَبَرِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ كَالنَّعَمِ أَوْ لَا يُؤْكَلُ كَالْكَلْبِ وَالْحِمَارِ. اهـ. شَعْرَانِيٌّ فِي الْمِيزَانِ.
قَوْلُهُ: (وَظِلْفُهَا) الظِّلْفُ اسْمٌ لِحَافِرِ الْغَنَمِ وَنَحْوِهِ كَالْبَقَرِ وَالظُّفْرُ لِلطَّيْرِ وَالْحَافِرُ لِلْفَرَسِ وَالْبَغْلِ وَالْحِمَارِ اهـ ع ش.
قَوْلُهُ: (فَيَدْخُلُ فِي الْمَيْتَةِ مَا لَا يُؤْكَلُ إذَا ذُبِحَ) وَذَبْحُهُ حَرَامٌ وَلَوْ لِأَجْلِ جِلْدِهِ، وَكَذَا ذَبْحُ الْمَأْكُولِ لَا لِأَكْلِهِ وَلَوْ لِأَخْذِ جِلْدِهِ أَوْ لَحْمِهِ لِلصَّيْدِ بِهِ كَمَا فِي عب فَتَلَخَّصَ لَنَا أَنَّ الْحَيَوَانَ إنْ كَانَ مَأْكُولًا لَا يَجُوزُ ذَبْحُهُ إلَّا لِلْأَكْلِ فَقَطْ، وَغَيْرُ الْمَأْكُولِ لَا يَجُوزُ ذَبْحُهُ مُطْلَقًا إلَّا إذَا نُصَّ عَلَى جَوَازِ قَتْلِهِ أَوْ نَدْبِهِ اهـ اج. وَانْظُرْ إذَا ذُبِحَ الْمَأْكُولُ لِأَجْلِ جِلْدِهِ هَلْ يَكُونُ مَيْتَةً أَوْ لَا؟ نُقِلَ عَنْ ابْنِ حَجَرٍ الثَّانِي فَلْيُرَاجَعْ. وَفِي الْمِيزَانِ لِلشَّعْرَانِيِّ مَا نَصُّهُ، قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ: إنَّ الذَّكَاةَ لَا تَعْمَلُ شَيْئًا فِيمَا لَا يُؤْكَلُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ: إنَّهَا تَعْمَلُ إلَّا فِي الْخِنْزِيرِ، وَإِذَا ذُكِّيَ عِنْدَهُمَا سَبُعٌ أَوْ كَلْبٌ طَهُرَ جِلْدُهُ وَلَحْمُهُ، لَكِنَّ أَكْلَهُ حَرَامٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مَكْرُوهٌ عِنْدَ مَالِكٍ، وَوَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ خَبِيثٌ فَلَا تُؤَثِّرُ فِيهِ الذَّكَاةُ طَهَارَةً وَلَا طِيبًا، بَلْ حُكْمُ ذَبْحِهِ حُكْمُ مَوْتِهِ حَتْفَ أَنْفِهِ. قَالَ تَعَالَى فِي مَدْحِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: ١٥٧] وَوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ طَهَارَتِهِ حِلُّهُ، فَقَدْ يَحْرُمُ الشَّيْءُ الطَّاهِرُ لِضَرُورَةٍ فِي بَدَنٍ أَوْ عَقْلٍ وَلَحْمُ مَا لَا يُؤْكَلُ، وَإِنْ قِيلَ طَهَارَتُهُ يَضُرُّ فِي الْبَدَنِ كَمَا جُرِّبَ وَمَنْ شَكَّ فَلْيُجَرِّبْ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا أَنَّهُ يُورِثُ آكِلَهُ الْبَلَادَةَ حَتَّى لَا يَكَادَ يَفْهَمُ ظَوَاهِرَ الْأُمُورِ فَضْلًا عَنْ بَوَاطِنِهَا لَكَفَى اهـ بِحُرُوفِهِ.