شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ التَّذْكِيَةِ كَذَبِيحَةِ الْمَجُوسِيِّ وَالْمُحْرِمِ لِلصَّيْدِ وَمَا ذُبِحَ بِالْعَظْمِ وَنَحْوِهِ. وَالْجُزْءُ الْمُنْفَصِلُ مِنْ الْحَيِّ كَمَيْتَةِ ذَلِكَ الْحَيِّ إنْ كَانَ طَاهِرًا فَطَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَ نَجِسًا فَنَجِسٌ لِخَبَرِ: «مَا قُطِعَ مِنْ حَيٍّ فَهُوَ كَمَيْتَتِهِ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، فَالْمُنْفَصِلُ مِنْ الْآدَمِيِّ وَالسَّمَكِ وَالْجَرَادِ طَاهِرٌ وَمِنْ غَيْرِهَا نَجِسٌ. (إلَّا شَعْرَ) أَوْ صُوفَ أَوْ رِيشَ أَوْ وَبَرَ الْمَأْكُولِ فَطَاهِرٌ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ نُتِفَ مِنْهَا أَوْ اُنْتُتِفَ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ} [النحل: ٨٠] وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا أُخِذَ بَعْدَ التَّذْكِيَةِ أَوْ فِي الْحَيَاةِ عَلَى مَا هُوَ الْمَعْهُودُ، وَلَوْ شَكَكْنَا فِيمَا ذُكِرَ هَلْ انْفَصَلَ مِنْ طَاهِرٍ أَوْ نَجِسٍ حَكَمْنَا بِطَهَارَتِهِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ. وَشَكَكْنَا فِي النَّجَاسَةِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ رَأَيْنَا قِطْعَةَ لَحْمٍ وَشَكَكْنَا هَلْ هِيَ مِنْ مُذَكَّاةٍ أَوْ لَا؟
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: (وَالْمُحَرَّمِ لِلصَّيْدِ) أَيْ إذَا كَانَ مَا ذَكَّاهُ صَيْدًا وَحْشِيًّا كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ أَمَّا غَيْرُ الْوَحْشِيِّ فَلَا يَحْرُمُ.
قَوْلُهُ: (وَنَحْوِهِ) كَالظُّفْرِ.
قَوْلُهُ: (إنْ كَانَ طَاهِرًا فَطَاهِرٌ) كَانَ الْمُنَاسِبُ إنْ كَانَتْ طَاهِرَةً أَيْ إنْ كَانَتْ مَيِّتَةً طَاهِرَةً فَالْجُزْءُ الْمُنْفَصِلُ حَالَ حَيَاتِهِ طَاهِرٌ وَإِنْ نَجِسَةً فَنَجِسٌ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ الْمَيْتَةَ اكْتَسَبَتْ التَّذْكِيرَ مِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ، وَمِنْ الْجُزْءِ ثَوْبُ الثُّعْبَانِ فَهُوَ نَجِسٌ خِلَافًا لِمَنْ أَفْتَى بِطَهَارَتِهِ كَالْعَرَقِ كَمَا فِي م ر: وَانْظُرْ لَوْ اتَّصَلَ الْجُزْءُ الْمَذْكُورُ بِأَصْلِهِ وَحَلَّتْهُ الْحَيَاةُ هَلْ يَطْهُرُ وَيُؤْكَلُ بَعْدَ التَّذْكِيَةِ أَوْ لَا. وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ أَحْيَا اللَّهُ تَعَالَى الْمَيْتَةَ ثُمَّ ذُكِّيَتْ وَلَمْ يَظْهَرْ فِي هَذِهِ إلَّا الْحِلُّ فَكَذَا الْأَوَّلُ فَلْيُتَأَمَّلْ شَوْبَرِيٌّ، إلَّا أَنَّهُ قَدْ يَرِدُ عَلَى الْأُولَى مَا لَوْ وَصَلَ عَظْمُهُ بِعَظْمٍ نَجِسٍ وَحَلَّتْهُ الْحَيَاةُ مَعَ حُكْمِهِمْ عَلَيْهِ بِكَوْنِهِ نَجِسًا مَعْفُوًّا عَنْهُ، وَعَلَى الثَّانِي مَا لَوْ أَحْيَاهُ اللَّهُ بَعْدَ تَيَقُّنِ مَوْتِهِ حَيْثُ لَا تَعُودُ لَهُ زَوْجَاتُهُ وَأَمْوَالُهُ، إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ الْعَظْمَ الْمَوْصُولَ أَجْنَبِيٌّ مِنْ الْوَاصِلِ أَصَالَةً وَلَيْسَ مِنْ أَجْزَائِهِ الْأَصْلِيَّةِ بِدَلِيلِ عَدَمِ عَوْدِهِ لَهُ فِي الْآخِرَةِ، فَلَمْ يَكُنْ الْوَصْلُ مُقْتَضِيًا لِطَهَارَتِهِ، بِخِلَافِ جُزْءِ الْحَيَوَانِ فَقَدْ عَادَتْ لَهُ الطَّهَارَةُ بِعَوْدِهِ إلَى أَصْلِهِ، وَالظَّاهِرُ عَدَمُ إيرَادِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا حَيَاةٌ حَقِيقِيَّةٌ مُتَجَدِّدَةٌ فَتُعْطَى حُكْمَهَا فَلْيُتَأَمَّلْ كَاتِبُهُ إطْفِيحِيٌّ. وَقَوْلُهُ: فَتُعْطَى حُكْمَهَا وَهُوَ الطَّهَارَةُ بِالْحَيَاةِ الثَّانِيَةِ هُنَا، وَأَمَّا هُنَاكَ فَإِنَّ زَوْجَاتِهِ وَأَمْوَالَهُ حَرُمَتَا عَلَيْهِ بِالْمَوْتِ فَلَا تُفِيدُهُ الْحَيَاةُ شَيْئًا.
١ -
قَوْلُهُ: (فَالْمُنْفَصِلُ مِنْ الْآدَمِيِّ) وَمِنْهُ الْمَشِيمَةُ الَّتِي فِيهَا الْوَلَدُ طَاهِرَةٌ مِنْ الْآدَمِيِّ نَجِسَةٌ مِنْ غَيْرِهِ.
قَوْلُهُ: (إلَّا شَعْرَ أَوْ صُوفَ) هَذَا بِالنَّظَرِ لِكَلَامِ الشَّرْحِ مَعَ الْمَتْنِ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ فِي شَعْرِ الْمَيِّتَةِ. قَوْلُهُ: (أَوْ وَبَرَ الْمَأْكُولِ) وَمِثْلُهُ لَبَنُهُ وَبَيْضُهُ وَمِسْكُهُ وَفَأْرَتُهُ بِالْهَمْزِ وَتَرْكِهِ، بِخِلَافِ الْحَيَوَانِ الْمَعْرُوفِ فَإِنَّهُ بِالْهَمْزِ فَقَطْ كَمَا فِي الْقَامُوسِ، وَمَحَلُّ طَهَارَتِهَا إنْ انْفَصَلَتْ فِي حَيَاتِهَا وَلَوْ احْتِمَالًا عَلَى الْأَوْجَهِ أَوْ بَعْدَ ذَكَاتِهَا وَإِلَّا فَهِيَ نَجِسَةٌ ز ي.
وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا فَهِيَ نَجِسَةٌ أَيْ إنْ لَمْ تَتَهَيَّأْ لِلِانْفِصَالِ، قَالَ ع ش.
قَوْلُهُ: وَلَوْ احْتِمَالًا يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ رَأَى ظَبْيَةً مَيِّتَةً وَفَأْرَةً عِنْدَهَا، وَاحْتَمَلَ أَنَّ انْفِصَالَهَا قَبْلَ مَوْتِهَا حُكِمَ بِطَهَارَتِهَا وَهُوَ مُتَّجَهٌ، لِأَنَّهَا كَانَتْ طَاهِرَةً قَبْلَ الْمَوْتِ فَتُسْتَصْحَبُ طَهَارَتُهَا وَلَمْ يَعْلَمْ مَا يُزِيلُ الطَّهَارَةَ، وَإِنَّمَا كَانَ الْمِسْكُ طَاهِرًا لِخَبَرِ مُسْلِمٍ: «الْمِسْكُ أَطْيَبُ الطِّيبِ» اهـ. وَنُقِلَ عَنْ حَجّ أَنَّ الْمِسْكَ التُّرْكِيَّ نَجِسٌ لِأَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ فَرْجِ حَيَوَانٍ غَيْرِ مَأْكُولٍ، وَالْعَنْبَرُ طَاهِرٌ وَهُوَ نَبْتٌ يَلْفِظُهُ الْبَحْرُ. قَالَ إمَامُنَا الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: حَدَّثَنِي بَعْضُهُمْ أَنَّهُ رَكِبَ الْبَحْرَ، فَوَقَعَ عَلَى جَزِيرَةٍ فَنَظَرَ إلَى شَجَرَةٍ مِثْلِ عُنُقِ الشَّاةِ وَإِذَا ثَمَرُهَا عَنْبَرٌ قَالَ: فَتَرَكْنَاهُ حَتَّى يَكْثُرَ ثُمَّ نَأْخُذَهُ، فَهَبَّتْ رِيحٌ فَأَلْقَتْهُ فِي الْبَحْرِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: وَالسَّمَكُ وَدَوَابُّ الْبَحْرِ تَبْتَلِعُهُ أَوَّلَ مَا يَقَعُ لِأَنَّهُ لَيِّنٌ، فَإِذَا ابْتَلَعَتْهُ قَلَّمَا تَسْلَمُ إلَّا قَتَلَهَا لِفَرْطِ الْحَرَارَةِ الَّتِي فِيهِ، فَإِذَا أَخَذَ الصَّيَّادُ السَّمَكَةَ وَجَدَهُ فِي بَطْنِهَا فَيُقَدِّرُ أَيْ يَظُنُّ أَنَّهَا مِنْهَا، وَإِنَّمَا هُوَ ثَمَرُ نَبْتٍ قَالَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ. اهـ. إطْفِيحِيٌّ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ نُتِفَ إلَخْ) وَالنَّتْفُ حَرَامٌ لِلتَّعْذِيبِ، وَمَنْ قَالَ مَكْرُوهٌ يُحْمَلُ عَلَى أَذًى يَحْتَمِلُ عَادَةً.
قَوْلُهُ: (أَثَاثًا وَمَتَاعًا) الْأَثَاثُ أَمْتِعَةُ الْبَيْتِ فَعَطْفُ الْمَتَاعِ عَلَيْهِ مِنْ عَطْفِ التَّفْسِيرِ أَوْ الْعَامِّ بَعْدَ الْخَاصِّ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ شَكَكْنَا فِيمَا ذُكِرَ) أَيْ الشَّعْرِ وَالصُّوفِ وَالرِّيشِ وَالْوَبَرِ وَكَذَا الْعَظْمُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي خِرْقَةٍ أَوْ زِنْبِيلٍ وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَالشَّعْرُ الْمَجْهُولُ انْفِصَالُهُ هَلْ هُوَ