للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَفَرُّقِهِمَا أَوْ تَخَايُرِهِمَا كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ فِي بَيْعِ النَّقْدِ بِمِثْلِهِ، وَالْمُمَاثَلَةُ تُعْتَبَرُ فِي الْمَكِيلِ كَيْلًا وَإِنْ تَفَاوَتَ فِي الْوَزْنِ، وَفِي الْمَوْزُونِ وَزْنًا وَإِنْ تَفَاوَتَ فِي الْكَيْلِ. وَالْمُعْتَبَرُ فِي كَوْنِ الشَّيْءِ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا غَالِبُ عَادَةِ أَهْلِ الْحِجَازِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِظُهُورِ أَنَّهُ اطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ وَأَقَرَّهُ. وَمَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ الْعَهْدِ أَوْ كَانَ وَجُهِلَ حَالُهُ وَجُرْمُهُ كَالتَّمْرِ يُرَاعَى فِيهِ عَادَةُ بَلَدِ الْبَيْعِ، فَإِنْ كَانَ أَكْبَرَ مِنْهُ فَالْوَزْنُ. وَلَوْ بَاعَ جُزَافًا نَقْدًا أَوْ طَعَامًا بِجِنْسِهِ تَخْمِينًا لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ وَإِنْ خَرَجَا سَوَاءٌ لِلْجَهْلِ بِالْمُمَاثَلَةِ عِنْدَ الْبَيْعِ. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْأَصْحَابِ الْجَهْلُ بِالْمُمَاثَلَةِ كَحَقِيقَةِ الْمُفَاضَلَةِ. وَتُعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ لِلرِّبَوِيِّ حَالَ الْكَمَالِ، فَتُعْتَبَرُ فِي الثِّمَارِ وَالْحُبُوبِ وَقْتَ الْجَفَافِ وَتَنْقِيَتِهَا، فَلَا يُبَاعُ رَطْبُ الْمَطْعُومَاتِ بِرَطْبِهَا بِفَتْحِ الرَّاءِ فِيهِمَا. وَلَا بِجَافِّهَا إذَا كَانَتْ مِنْ جِنْسٍ إلَّا فِي مَسْأَلَةِ الْعَرَايَا، وَلَا تَكْفِي مُمَاثَلَةُ الدَّقِيقِ وَالسَّوِيقِ وَالْخُبْزِ بَلْ تُعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ فِي الْحُبُوبِ حَبًّا وَفِي حُبُوبِ الدُّهْنِ كَالسِّمْسِمِ بِكَسْرِ السِّينَيْنِ حَبًّا أَوْ دُهْنًا، وَفِي الْعِنَبِ وَالرُّطَبِ زَبِيبًا أَوْ تَمْرًا أَوْ خَلَّ عِنَبٍ وَرُطَبٍ أَوْ عَصِيرِ ذَلِكَ، وَفِي اللَّبَنِ لَبَنًا أَوْ سَمْنًا خَالِصًا مُصَفًّى بِشَمْسٍ أَوْ نَارٍ فَيَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَزْنًا وَإِنْ كَانَ مَائِعًا عَلَى النَّصِّ، فَلَا تَكْفِي مُمَاثَلَةُ مَا أَثَّرَتْ فِيهِ النَّارُ بِالطَّبْخِ أَوْ الْقَلْيِ أَوْ الشَّيِّ، وَلَا يَضُرُّ تَأْثِيرُ تَمْيِيزٍ كَالْعَسَلِ وَالسَّمْنِ.

ــ

[حاشية البجيرمي]

أَكْلُهُ فَيَصِحُّ بَيْعُهُ بِالْحَيَوَانِ وَلَوْ قَبْلَ الدَّبْغِ

قَوْلُهُ: (أَوْ تَخَايُرِهِمَا) أَيْ إلْزَامُهُمَا الْعَقْدَ. وَ " أَوْ " بِمَعْنَى الْوَاوِ.

قَوْلُهُ: (الْحِجَازِ) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُرَادُ بِهِ مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ وَالْيَمَامَةُ وَقُرَاهَا.

قَوْلُهُ: (فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ حَيَاتِهِ، فَلَوْ أَحْدَثَ النَّاسُ خِلَافَهُ فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ. وَقَوْلُهُ: وَجُهِلَ حَالُهُ أَوْ كَانَ وَلَمْ يَكُنْ بِالْحِجَازِ أَوْ اُسْتُعْمِلَ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ فِيهِ سَوَاءٌ أَوْ لَمْ يُسْتَعْمَلَا، وَقَوْلُهُ " كَالتَّمْرِ " أَيْ أَوْ دُونَهُ.

قَوْلُهُ: (يُرَاعَى فِيهِ عَادَةُ بَلَدِ الْمَبِيعِ) أَيْ حَالَةَ الْبَيْعِ، فَإِنْ اخْتَلَفَتْ اُعْتُبِرَ فِيهِ الْأَغْلَبُ، فَإِنْ اخْتَلَفَ الْأَغْلَبُ أُلْحِقَ بِالْأَكْثَرِ شَبَهًا، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ أَيْ الْأَكْثَرُ شَبَهًا جَازَ فِيهِ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (فَإِنْ كَانَ أَكْبَرَ مِنْهُ) كَجَوْزٍ وَبَيْضٍ. وَقَوْلُهُ " فَالْوَزْنُ " إذْ لَمْ يُعْهَدُ الْكَيْلُ بِالْحِجَازِ فِيمَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (جُزَافًا) بِتَثْلِيثِ الْجِيمِ م ر، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ بَعْضُ اللُّطَفَاءِ: جِيمُ الْجُزَافِ جُزَافٌ وَالْقِيَاسُ كَسْرُهَا أَخْذًا مِنْ قَوْلِ ابْنِ مَالِكٍ. " لِفَاعِلِ الْفِعَالِ وَالْمُفَاعَلَةِ ". قَوْلُهُ: (تَخْمِينًا) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ جُزَافًا بِغَيْرِ تَخْمِينٍ كَانَ أَوْلَى بِالْبُطْلَانِ، دَمِيرِيٌّ.

قَوْلُهُ: (وَلَا تَكْفِي مُمَاثَلَةُ الدَّقِيقِ) لِلْجَهْلِ بِالْمُمَاثَلَةِ بِتَفَاوُتِ الدَّقِيقِ فِي النُّعُومَةِ وَالْخُشُونَةِ وَالْخُبْزِ فِي تَأْثِيرِ النَّارِ، وَيَجُوزُ بَيْعُ ذَلِكَ بِالنُّخَالَةِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ رِبَوِيَّةً؛ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَالسَّوِيقُ هُوَ دَقِيقُ الشَّعِيرِ الْمُحَمَّصِ، وَفِي الْمِصْبَاحِ: السَّوِيقُ مَا يُعْمَلُ مِنْ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ. قَوْلُهُ: (حَبًّا أَوْ دُهْنًا) أَيْ أَوْ كَسْبًا خَالِصًا مِنْ نَحْوِ مِلْحٍ وَدُهْنٍ. وَحَاصِلُ مَسْأَلَةِ السِّمْسِمِ وَمَا اُتُّخِذَ مِنْهُ أَنَّ السِّمْسِمَ وَالشَّيْرَجَ وَالْكُسْبَ الْخَالِصَ يُبَاعُ كُلٌّ مِنْهَا بِمِثْلِهِ، وَكَذَا الشَّيْرَجُ بِالْكُسْبِ الْخَالِصِ مِنْ الدُّهْنِ وَلَوْ مَعَ التَّفَاضُلِ، وَيَمْتَنِعُ بَيْعُ السِّمْسِمِ بِالشَّيْرَجِ وَبِالطَّحِينَةِ وَبِالْكُسْبِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ دُهْنِيَّةٌ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يُبَاعُ بِمَا اُتُّخِذَ مِنْهُ، وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الطَّحِينَةِ بِمِثْلِهَا وَلَا بِكُسْبٍ وَلَا بِالشَّيْرَجِ لِاشْتِمَالِهَا عَلَيْهِمَا. فَصُوَرُهُ عَشْرَةٌ: أَرْبَعَةٌ صَحِيحَةٌ وَسِتَّةٌ بَاطِلَةٌ، كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الشُّرَّاحِ؛ سم عَلَى حَجّ. وَالشَّيْرَجُ بِفَتْحِ الشِّينِ بِوَزْنِ جَعْفَرٍ كَمَا نَقَلَهُ ع ش عَلَى م ر عَنْ الْمِصْبَاحِ.

قَوْلُهُ: (وَفِي اللَّبَنِ) أَيْ فِي مَاهِيَّةِ هَذَا الْجِنْسِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى لَبَنٍ وَغَيْرِهِ شَرْحُ م ر، أَيْ لِيُنَاسِبَ قَوْلُهُ بَعْدُ: لَبَنًا أَوْ سَمْنًا، أَيْ حَالَ كَوْنِ اللَّبَنِ بَاقِيًا لَبَنًا بِحَالِهِ أَوْ صَائِرًا سَمْنًا.

قَوْلُهُ: (فَيَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ) أَيْ السَّمْنِ.

قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ مَائِعًا) الْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي السَّمْنِ الْوَزْنُ إنْ كَانَ جَامِدًا وَالْكَيْلُ إنْ كَانَ مَائِعًا، وَالْمُعْتَبَرُ فِي اللَّبَنِ الْكَيْلُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ الْحَلِيبُ وَغَيْرُهُ مَا لَمْ يَغْلِ بِالنَّارِ؛ شَرْحُ الْمَنْهَجِ مُلَخَّصًا وَمِثْلُهُ شَرْحُ م ر.

قَوْلُهُ: (بِالطَّبْخِ) كَاللَّحْمِ، وَالْقَلْيِ كَالسِّمْسِمِ، وَالشَّيِّ كَالْبَيْضِ.

قَوْلُهُ: (كَالْعَسَلِ وَالسَّمْنِ) مُيِّزَا بِالنَّارِ عَنْ الشَّمْعِ وَاللَّبَنِ، فَيُبَاعُ بَعْضُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِبَعْضٍ حِينَئِذٍ لِأَنَّ نَارَ التَّمْيِيزِ لَطِيفَةٌ، أَمَّا قَبْلَ التَّمْيِيزِ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْجَهْلِ بِالْمُمَاثَلَةِ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَفَارَقَ بَيْعُ التَّمْرِ بِبَعْضِهِ وَفِيهِ نَوَاهُ بِأَنَّ النَّوَى غَيْرُ مَقْصُودٍ، بِخِلَافِ الشَّمْعِ فِي الْعَسَلِ فَاجْتِمَاعُهُمَا مُفْضٍ لِلْجَهَالَةِ شَرْحُ م ر. وَالْعَسَلُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ، الْمُرَادُ بِهِ عَسَلُ النَّحْلِ وَمَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ عَسَلٌ مِنْ السُّكَّرِ وَغَيْرُهُ مَجَازٌ وَيَجُوزُ بَيْعُهُ بِعَسَلِ النَّحْلِ مُتَفَاضِلًا. اهـ. دَمِيرِيٌّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>