للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى فَوَاتِ أَمْرٍ فِي الْمَبِيعِ وَسَبَبُهُ الْمَجْلِسُ أَوْ الشَّرْطُ. وَقَدْ بَدَأَ بِالسَّبَبِ الْأَوَّلِ مِنْ النَّوْعِ الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ: (وَالْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا) بِبَدَنِهِمَا عَنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ أَوْ يَخْتَارَا لُزُومَ الْعَقْدِ كَقَوْلِهِمَا: تَخَايَرْنَا، فَلَوْ اخْتَارَ أَحَدُهُمَا لُزُومَهُ سَقَطَ حَقُّهُ مِنْ الْخِيَارِ وَبَقِيَ الْحَقُّ فِيهِ لِلْآخَرِ لِمَا رَوَى الشَّيْخَانِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ اخْتَرْ»

يَثْبُتُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ فِي كُلِّ بَيْعٍ وَإِنْ اسْتَعْقَبَ عِتْقًا كَشِرَاءِ بَعْضِهِ وَذَلِكَ كَرِبَوِيٍّ وَسَلَمٍ

ــ

[حاشية البجيرمي]

الشَّارِحِ: مَا يَتَعَاطَاهُ إلَخْ.

قَوْلُهُ: (أَوْ الشَّرْطُ) أَوْ مَانِعَةُ خُلُوٍّ فَتَجَوَّزَ الْجَمْعُ.

قَوْلُهُ: (بِقَوْلِهِ) أَيْ فِي قَوْلِهِ مُتَعَلِّقٌ يَبْدَأُ، فَسَقَطَ مَا يُقَالُ إنَّ فِي كَلَامِهِ تَعَلُّقُ جَرٍّ فِي جَرٍّ بِمَعْنًى وَاحِدٍ بِعَامِلٍ وَاحِدٍ.

قَوْلُهُ: (وَالْمُتَبَايِعَانِ إلَخْ) تَثْنِيَةُ مُتَبَايِعٍ بِمَعْنَى بَائِعٍ، وَالْمُرَادُ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فَهُوَ تَغْلِيبٌ. وَقَوْلُهُ " بِالْخِيَارِ " أَيْ مُلْتَبِسَانِ وَمَوْصُوفَانِ بِهِ، وَالْخِيَارُ اسْمُ مَصْدَرٍ مِنْ الِاخْتِيَارِ بِمَعْنَى طَلَبِ خَيْرِ الْأَمْرَيْنِ.

قَوْلُهُ: (مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا) " مَا " مَصْدَرِيَّةٌ ظَرْفِيَّةٌ، أَيْ مُدَّةَ عَدَمِ تَفَرُّقِهِمَا، وَالتَّثْنِيَةُ لَيْسَتْ قَيْدًا بَلْ مَتَى فَارَقَ أَحَدُهُمَا مُخْتَارًا انْقَطَعَ خِيَارُهُمَا، بِخِلَافِ اخْتِيَارِ اللُّزُومِ فَإِنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ إلَّا خِيَارُ مَنْ اخْتَارَ لُزُومَ الْعَقْدِ. وَقَوْلُهُ. " مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا " وَيُزَادُ أَوْ " يَخْتَارَا لُزُومَ الْعَقْدِ أَوْ أَحَدُهُمَا " فَيَكُونُ الْمَتْنُ نَاقِصًا، أَيْ وَلَوْ كَانَ التَّفَرُّقُ نِسْيَانًا أَوْ جَهْلًا. وَخَرَجَ بِالْبَدَنِ فُرْقَةُ الرُّوحِ وَالْعَقْلِ، فَلَا يَسْقُطُ الْخِيَارُ بِمَا ذُكِرَ بَلْ يَخْلُفُ الْعَاقِدَ. وَارِثُهُ أَوْ وَلِيُّهُ كَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ: وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا إلَخْ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. وَخَرَجَ أَيْضًا تَفَرُّقُهُمَا بِالْمَكَانِ، كَأَنْ جَعَلَ الْمَكَانَ مَكَانَيْنِ بِإِرْخَاءِ سَاتِرٍ بَيْنَهُمَا أَوْ دَخَلَ أَحَدُهُمَا فِي نَامُوسِيَّةٍ وَالْآخَرُ خَارِجَهَا وَكُلٌّ مِنْهُمَا فِي مَكَانِ الْعَقْدِ، أَوْ كَأَنْ جُعِلَ بَيْنَهُمَا جِدَارٌ فِي وَسَطِ ذَلِكَ الْمَكَانِ.

قَوْلُهُ: (بِبَدَنِهِمَا) أَوْ بَدَنِ أَحَدِهِمَا وَلَوْ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا. اهـ. سُلْطَانٌ.

قَوْلُهُ: (عَنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ) الْمُرَادُ الْحَالَةُ الَّتِي كَانَا عَلَيْهَا حَالَةَ الْعَقْدِ مِنْ جُلُوسٍ أَوْ قِيَامٍ أَوْ اضْطِجَاعٍ أَوْ مَشْيٍ، فَمَتَى انْفَصَلَا عَنْهَا عُرْفًا لَزِمَ الْبَيْعُ.

قَوْلُهُ: (فَلَوْ اخْتَارَ أَحَدُهُمَا) مَفْهُومَ قَوْلِهِ: أَوْ يَخْتَارَا.

قَوْلُهُ: (وَبَقِيَ الْحَقُّ فِيهِ لِلْآخَرِ) أَيْ وَيَسْتَمِرُّ إلَى الْمُفَارَقَةِ أَوْ الِاخْتِيَارِ أَيْضًا. وَلَوْ اخْتَارَ أَحَدُهُمَا لُزُومَ الْبَيْعِ وَالْآخَرُ فَسْخَهُ قُدِّمَ الْفَسْخُ وَإِنْ تَأَخَّرَ عَنْ الْإِجَازَةِ، لِأَنَّ إثْبَاتَ الْخِيَارِ إنَّمَا قُصِدَ بِهِ التَّمَكُّنُ مِنْ الْفَسْخِ دُونَ الْإِجَازَةِ لِأَصَالَتِهَا، شَرْحُ الْمَنْهَجِ.

قَوْلُهُ: (لِمَا رَوَى الشَّيْخَانِ) دَلِيلٌ لِلْمَتْنِ.

قَوْلُهُ: (الْبَيِّعَانِ) تَثْنِيَةُ بَيْعٍ بِمَعْنَى بَائِعٍ، وَيُطْلَقُ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْعَاقِدَيْنِ أَنَّهُ بَائِعٌ كَمَا فِي كُتُبِ اللُّغَةِ، أَخْذًا مِنْ الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ كَأَنَّهُ بَاعَ الثَّمَنَ لِلْآخَرِ، لَكِنْ إذَا أُطْلِقَ الْبَائِعُ فَالْمُتَبَادَرُ مِنْهُ إلَى الذِّهْنِ بَاذِلُ السِّلْعَةِ فَيَكُونُ فِيهِ تَغْلِيبٌ عَلَى هَذَا وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا تَغْلِيبَ.

وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ خِيَارَهُمَا يَنْقَطِعُ إذَا قَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ اخْتَرْ، مَعَ أَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ إلَّا خِيَارُ الْقَائِلِ فَقَطْ وَيَبْقَى الْخِيَارُ لِلْآخَرِ قَوْلُهُ: (أَوْ يَقُولَ) مَنْصُوبٌ بِتَقْدِيرِ: إلَّا أَنْ، أَوْ إلَى أَنْ. وَلَوْ كَانَ مَعْطُوفًا لَجَزَمَهُ فَقَالَ: أَوْ يَقُلْ؛ قَالَهُ النَّوَوِيُّ. وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ مَنْصُوبٌ بِ " أَنْ " مُضْمَرَةٍ وَأَوْ بِمَعْنَى إلَّا أَوْ إلَى. قَالَ الْبُرُلُّسِيُّ: الْمَعْنَى عَلَى الْعَطْفِ أَنَّ الْخِيَارَ ثَابِتٌ لَهُمَا فِي مُدَّةِ انْتِفَاءِ التَّفَرُّقِ أَوْ مُدَّةِ انْتِفَاءِ قَوْلِ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ اخْتَرْ، فَيَقْتَضِي ثُبُوتَهُ فِي الْحَالَةِ الْأُولَى وَإِنْ انْتَفَتْ الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ بِأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ: اخْتَرْ، وَثُبُوتُهُ فِي الثَّانِيَةِ وَإِنْ انْتَفَتْ الْأُولَى بِأَنْ تَفَرَّقَا. وَيَتَخَلَّصُ مِنْهُمَا بِمَا ذُكِرَ وَهُوَ نَصْبُهُ بِأَنْ وَأَوْ بِمَعْنَى إلَّا أَوْ إلَى، وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى أَصْلِ وَضْعِ اللُّغَةِ وَهُوَ أَنَّ أَوْ بَعْدَ النَّفْيِ لِانْتِفَاءِ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ كَمَا قَالَهُ الرَّضِيُّ، وَأَمَّا بِالنَّظَرِ لِاسْتِعْمَالِ اللُّغَةِ وَهُوَ أَنَّ أَوْ بَعْدَ النَّفْيِ لِانْتِفَاءِ الْأَمْرَيْنِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان: ٢٤] أَيْ وَلَا كَفُورًا، فَالْعَطْفُ هُنَا ظَاهِرٌ؛ لَكِنْ رُبَّمَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ الْعَطْفَ جَارٍ عَلَى أَصْلِ الْوَضْعِ فَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ قَاطِعٌ لِذَلِكَ سم مُلَخَّصًا. وَقَوْلُهُ " اسْتِعْمَالُ اللُّغَةِ " أَيْ اسْتِعْمَالُ أَهْلِ اللُّغَةِ لِأَنَّهُمْ تَوَسَّعُوا فِي الِاسْتِعْمَالِ.

قَوْلُهُ: (فِي كُلِّ بَيْعٍ) أَيْ فِي كُلِّ مَا يُسَمَّى بَيْعًا كَمَا يَأْتِي. وَضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ: يَثْبُتُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ فِي كُلِّ مُعَارَضَةٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>