للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قِطْعَةً وَقَالَ: بِعْتُك هَذِهِ صَحَّ

وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ مِسْكٍ اخْتَلَطَ بِغَيْرِهِ لِجَهْلِ الْمَقْصُودِ كَنَحْوِ لَبَنٍ مَخْلُوطٍ بِنَحْوِ مَاءٍ، نَعَمْ إنْ كَانَ مَعْجُونًا بِغَيْرِهِ كَالْغَالِيَةِ وَالنِّدِّ صَحَّ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ جَمِيعُهُمَا لَا الْمِسْكُ وَحْدَهُ.

وَلَوْ بَاعَ الْمِسْكَ فِي فَأْرَتِهِ لَمْ يَصِحَّ، وَلَوْ فَتَحَ رَأْسَهَا كَاللَّحْمِ فِي الْجِلْدِ فَإِنْ رَآهَا فَارِغَةً ثُمَّ مُلِئَتْ مِسْكًا لَمْ يَرَهُ ثُمَّ رَأَى أَعْلَاهُ مِنْ رَأْسِهَا أَوْ رَآهُ خَارِجَهَا ثُمَّ اشْتَرَاهُ بَعْدَ رَدِّهِ إلَيْهَا جَازَ.

وَلَمَّا فَرَغَ الْمُصَنِّفُ مِنْ صِحَّةِ الْعَقْدِ وَفَسَادِهِ، شَرَعَ فِي لُزُومِهِ وَجَوَازِهِ وَذَلِكَ بِسَبَبِ الْخِيَارِ وَالْأَصْلُ فِي الْبَيْعِ اللُّزُومُ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهُ نَقْلُ الْمِلْكِ وَقَضِيَّةُ الْمِلْكِ التَّصَرُّفُ وَكِلَاهُمَا فَرْعُ اللُّزُومِ، إلَّا أَنَّ الشَّارِعَ أَثْبَتَ فِيهِ الْخِيَارَ رِفْقًا بِالْمُتَعَاقِدِينَ وَهُوَ نَوْعَانِ: خِيَارُ تَشَهٍّ، وَخِيَارُ نَقِيصَةٍ. فَخِيَارُ التَّشَهِّي مَا يَتَعَاطَاهُ الْمُتَعَاقِدَانِ بِاخْتِيَارِهِمَا وَشَهْوَتِهِمَا مِنْ

ــ

[حاشية البجيرمي]

مَرْحُومِيٌّ. أَيْ لِأَنَّ عَدَمَ صِحَّةِ بَيْعِ الصُّوفِ مَشْرُوطٌ بِشَرْطَيْنِ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْجَزِّ وَأَنْ يَكُونَ قَبْلَ التَّذْكِيَةِ. أَمَّا بَعْدَ جَزِّهِ فَيَجُوزُ وَكَذَا بَعْدَ التَّذْكِيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَزِيدُ بَعْدَهَا فَلَا يُخْلَطُ بِحَادِثٍ، وَهَذَا يُؤْخَذُ مِنْ تَعْلِيلِ الشَّرْحِ.

قَوْلُهُ: (اخْتَلَطَ بِغَيْرِهِ) أَيْ لَا عَلَى وَجْهِ التَّرْكِيبِ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ، مَرْحُومِيٌّ. قَوْلُهُ: (بِنَحْوِ لَبَنٍ مَخْلُوطٍ) مِثْلُهُ بَيْعُ اللَّحْمِ بِعَظْمِهِ وَبَيْعُ الطَّحِينَةِ وَالْقِشْدَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَلَوْ بِالدَّرَاهِمِ، فَإِنَّهُ بَاطِلٌ مُطْلَقًا لِلْجَهْلِ بِأَحَدِ الْمَقْصُودَيْنِ فِيهِ؛ قَالَهُ شَيْخُنَا قِيَاسًا وَعَلَى مَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ مِنْ بُطْلَانِ بَيْعِ اللَّبَنِ الْمَشُوبِ بِالْمَاءِ وَلَوْ بِالدَّرَاهِمِ كَمَا نَقَلَهُ عَنْ ابْنِ قَاسِمٍ وَالرَّمْلِيِّ. وَخَالَفَ شَيْخُنَا ع ش فَاعْتَمَدَ الصِّحَّةَ، وَحِينَئِذٍ فَيَحْتَاجُ لِلْفَرْقِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّبَنِ الْمَشُوبِ بِالْمَاءِ فَتَأَمَّلْ،. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَاءَ أَجْنَبِيٌّ مِنْ اللَّبَنِ بِخِلَافِ الشَّيْرَجِ مَعَ الْكُسْبِ وَاللَّبَنِ مَعَ الْقِشْدَةِ، وَكَذَا السَّمْنُ مَعَهَا، وَالْعَظْمُ مَعَ اللَّحْمِ، فَإِنَّهَا لَيْسَتْ أَجْنَبِيَّةً؛ فَهُوَ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ.

قَوْلُهُ: (كَالْغَالِيَةِ) نَوْعٌ مِنْ الطِّيبِ مُرَكَّبٌ مِنْ مِسْكٍ وَعَنْبَرٍ وَمَعَهُمَا دُهْنٌ أَوْ عُودٌ وَكَافُورٌ، شَرْحُ م ر.

قَوْلُهُ: (وَالنَّدِّ) بِفَتْحِ النُّونِ، مُرَكَّبٌ مِنْ مِسْكٍ وَعَنْبَرٍ وَعُودٍ شَرْحُ م ر.

قَوْلُهُ: (فِي فَأْرَتِهِ) بِالْهَمْزِ وَتَرْكِهِ، وَفَأْرَةُ الْبَيْتِ بِالْهَمْزِ لَا غَيْرُ، وَفَارَةُ النَّجَّارِ بِالْأَلِفِ لَا غَيْرُ. قَالَ الشَّاعِرُ:

وَفَأْرَةُ الْبَيْتِ اهْمِزْنَهَا يَا فَتَى ... هَمْزًا وَإِبْدَالًا لِغَيْرٍ أُثْبِتَا

قَوْلُهُ: (شَرَعَ فِي لُزُومِهِ) وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْبَيْعَ يَنْحَصِرُ فِي خَمْسَةِ أَطْرَافٍ: الطَّرَفُ الْأَوَّلُ: فِي صِحَّتِهِ وَفَسَادِهِ. الطَّرَفُ الثَّانِي: فِي جَوَازِهِ وَلُزُومِهِ. الطَّرَفُ الثَّالِثُ: فِي حُكْمِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ. الطَّرَفُ الرَّابِعُ: فِي أَلْفَاظٍ تَتَأَثَّرُ بِالْقَرَائِنِ. الطَّرَفُ الْخَامِسُ: فِي التَّحَالُفِ وَمُعَامَلَةِ الرَّقِيقِ؛ زِيَادِيٌّ. وَقَوْلُهُ " تَتَأَثَّرُ بِالْقَرَائِنِ " أَيْ وَتَسْتَتْبِعُ غَيْرَ مُسَمَّاهَا كَبِعْتُكَ الْأَرْضَ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ مَا فِيهَا مِنْ الشَّجَرِ، إذْ مُسَمَّى الشَّجَرِ غَيْرُ مُسَمَّى الْأَرْضِ.

قَوْلُهُ: (وَذَلِكَ) أَيْ الْجَوَازُ. قَوْلُهُ: (وَالْأَصْلُ فِي الْبَيْعِ اللُّزُومُ) أَيْ وَضْعُهُ اللُّزُومُ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ " إلَّا أَنَّ الشَّارِعَ إلَخْ " أَيْ فَالْخِيَارُ عَارِضٌ، لَكِنَّ خِيَارَ الْمَجْلِسِ صَارَ كَاللَّازِمِ بِدَلِيلِ بُطْلَانِ الْعَقْدِ بِنَفْيِهِ.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهُ) أَيْ شَرْعًا وَعَقْلًا وَقَوْلُهُ التَّصَرُّفُ أَيْ حِلُّ التَّصَرُّفِ. وَقَوْلُهُ " وَكِلَاهُمَا فَرْعُ اللُّزُومِ " أَيْ عَقْلًا.

وَفِي كَوْنِ نَقْلِ الْمِلْكِ فَرْعَ اللُّزُومِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يُوجَدُ مَعَ ثُبُوتِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي، إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ نَقْلُ الْمِلْكِ التَّامِّ أَيْ الَّذِي لَا فَسْخَ بَعْدَهُ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (إلَّا أَنَّ الشَّارِعَ إلَخْ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ: وَالْأَصْلُ فِي الْبَيْعِ اللُّزُومُ، فَجَاءَ الشَّرْعُ مُخَالِفًا لِمُقْتَضَى الْعَقْلِ.

قَوْلُهُ: (خِيَارُ تَشَهٍّ) مِنْ إضَافَةِ الْمُسَبَّبِ لِلسَّبَبِ. أَيْ خِيَارٌ سَبَبُهُ الشَّهْوَةُ وَالْخِيرَةُ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ. أَمَّا خِيَارُ الْمَجْلِسِ فَيَثْبُتُ قَهْرًا. وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ مَا يَثْبُتُ أَصْلُهُ بِالشَّهْوَةِ وَهُوَ خِيَارُ الشَّرْطِ أَوْ دَوَامُهُ وَاسْتِمْرَارُهُ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ فَإِنَّهُ بِاخْتِيَارِهِمَا، أَوْ أَنَّ الْمَوْصُوفَ بِالشَّهْوَةِ هُوَ أَثَرُهُ مِنْ الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ؛ وَهَذَا التَّقْدِيرُ يَجْرِي فِي قَوْلِهِ: مَا يَتَعَاطَاهُ إلَخْ.

قَوْلُهُ: (نَقِيصَةٍ) أَيْ عَيْبٍ.

قَوْلُهُ: (مَا يَتَعَاطَاهُ الْمُتَعَاقِدَانِ) أَيْ يَتَعَاطَيَا نَفْسَهُ وَأَثَرُهُ كَخِيَارِ الشَّرْطِ وَيَتَعَاطَيَا أَثَرَهُ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ. قَوْلُهُ: (بِاخْتِيَارِهِمَا) كَيْفَ هَذَا مَعَ أَنَّ خِيَارَ الْمَجْلِسِ يَثْبُتُ قَهْرًا حَتَّى لَوْ نَفَيَاهُ بَطَلَ الْعَقْدُ؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَعْنَى كَوْنِهِ بِاخْتِيَارِهِمَا أَنَّ اسْتِمْرَارَهُ بِاخْتِيَارِهِمَا أَوْ أَنَّ أَثَرَهُ مِنْ الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ بِاخْتِيَارِهِمَا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>