للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّاسُ تَفَرُّقًا يَلْزَمُ بِهِ الْعَقْدُ وَمَا لَا فَلَا لِأَنَّ مَا لَيْسَ لَهُ حَدٌّ شَرْعًا وَلَا لُغَةً يُرْجَعُ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ، فَلَوْ قَامَا وَتَمَاشَيَا مَنَازِلَ دَامَ خِيَارُهُمَا كَمَا لَوْ طَالَ مُكْثُهُمَا وَإِنْ زَادَتْ الْمُدَّةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ أَعْرَضَا عَمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْعَقْدِ. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَاوِي الْخَبَرِ إذَا ابْتَاعَ شَيْئًا فَارَقَ صَاحِبَهُ، فَلَوْ كَانَا فِي دَارٍ كَبِيرَةٍ فَالتَّفَرُّقُ فِيهَا بِالْخُرُوجِ مِنْ الْبَيْتِ إلَى الصَّحْنِ، أَوْ مِنْ الصَّحْنِ إلَى الصُّفَّةِ، أَوْ الْبَيْتِ. وَإِنْ كَانَا فِي سُوقٍ أَوْ صَحْرَاءَ فَبِأَنْ يُوَلِّيَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ ظَهْرَهُ وَيَمْشِيَ قَلِيلًا وَلَوْ لَمْ يَبْعُدْ عَنْ سَمَاعِ خِطَابِهِ. وَإِنْ كَانَا فِي سَفِينَةٍ أَوْ دَارٍ صَغِيرَةٍ فَبِخُرُوجِ أَحَدِهِمَا مِنْهَا، وَلَوْ تَنَادَيَا بِالْبَيْعِ مِنْ بُعْدٍ ثَبَتَ لَهُمَا الْخِيَارُ وَامْتَدَّ مَا لَمْ يُفَارِقْ أَحَدُهُمَا مَكَانَهُ، فَإِنَّهُ فَارَقَهُ وَوَصَلَ إلَى مَوْضِعٍ لَوْ كَانَ الْآخَرُ مَعَهُ بِمَجْلِسِ الْعَقْدِ عُدَّ تَفَرُّقًا بَطَلَ خِيَارُهُمَا، وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا فِي الْمَجْلِسِ أَوْ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ انْتَقَلَ الْخِيَارُ فِي الْأُولَى إلَى الْوَارِثِ وَلَوْ عَامًّا، وَفِي الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ إلَى الْوَلِيِّ مِنْ حَاكِمٍ أَوْ غَيْرِهِ.

وَلَوْ أَجَازَ الْوَارِثُ أَوْ فَسَخَ قَبْلَ عِلْمِهِ بِمَوْتِ مُوَرِّثِهِ نَفَذَ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَنْ بَاعَ مَالَ مُوَرِّثِهِ ظَانًّا حَيَاتَهُ فَبَانَ مَيِّتًا صَحَّ.

وَلَوْ اشْتَرَى الْوَلِيُّ لِطِفْلِهِ شَيْئًا فَبَلَغَ رَشِيدًا قَبْلَ التَّفَرُّقِ لَمْ يَنْتَقِلْ إلَيْهِ الْخِيَارُ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَيَبْقَى لِلْوَلِيِّ عَلَى الْأَوْجُهِ مِنْ وَجْهَيْنِ حَكَاهُمَا فِي الْبَحْرِ وَأَجْرَاهُمَا فِي خِيَارِ الشَّرْطِ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي السَّبَبِ الثَّانِي مِنْ النَّوْعِ الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ: (وَلَهُمَا) أَيْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ (أَنْ يَشْرِطَا الْخِيَارَ لَهُمَا) أَوْ لِأَحَدِهِمَا، سَوَاءٌ أَشَرَطَا إيقَاعَ أَثَرِهِ مِنْهُمَا أَمْ مِنْ أَحَدِهِمَا أَمْ أَجْنَبِيٍّ كَالْعَبْدِ الْمَبِيعِ، وَسَوَاءٌ أَشَرَطَا ذَلِكَ مِنْ وَاحِدٍ أَمْ مِنْ اثْنَيْنِ مَثَلًا،

ــ

[حاشية البجيرمي]

بِالْقَوْلِ مِنْ كَوْنِ الْهَارِبِ فَارَقَ مُخْتَارًا، شَرْحُ الْمَنْهَجِ.

قَوْلُهُ: (حَدٌّ) أَيْ ضَابِطٌ. قَوْلُهُ: (فَلَوْ قَامَا إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِ الْمَتْنِ: مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا. وَعِبَارَةُ مَتْنِ الْمَنْهَجِ: فَيَبْقَى وَلَوْ طَالَ مُكْثُهُمَا أَوْ تَمَاشَيَا مَنَازِلَ.

قَوْلُهُ: (كَمَا لَوْ طَالَ مُكْثُهُمَا) وَإِنْ بَنَى جِدَارَ حَائِلٍ بَيْنَهُمَا وَلَوْ بِأَمْرِهِمَا أَوْ بِفِعْلِهِمَا، ق ل وسم.

قَوْلُهُ: (وَإِنْ زَادَتْ الْمُدَّةُ) وَلَوْ سِنِينَ. قَوْلُهُ: (وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إلَخْ) فِيهِ رَدٌّ عَلَى مَا زَعَمَ نَسْخَهُ لِعَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ بِخِلَافِهِ؛ لِأَنَّ جُلَّ عَمَلِهِمْ لَا يَثْبُتُ بِهِ نَسْخٌ كَمَا مَرَّ فِي الْأُصُولِ، خُصُوصًا وَابْنُ عُمَرَ مِنْ أَجَلِّهِمْ كَانَ يَعْمَلُ بِهِ ش م ر وَحَجَرَ أج؛ أَيْ لِأَنَّهُمْ مُجْتَهِدُونَ. وَنَسْخُ النَّصِّ لَا يَحْصُلُ بِالِاجْتِهَادِ وَإِنَّمَا يَنْسَخُهُ نَصٌّ آخَرُ.

قَوْلُهُ: (فَلَوْ كَانَا) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَيُعْتَبَرُ فِي التَّفَرُّقِ الْعُرْفُ.

قَوْلُهُ: (فِي دَارٍ كَبِيرَةٍ) وَمِثْلُهَا السَّفِينَةُ الْكَبِيرَةُ.

قَوْلُهُ: (بِالْخُرُوجِ مِنْ الْبَيْتِ) أَيْ كَقَاعَةٍ مَثَلًا.

قَوْلُهُ: (إلَى الصَّحْنِ) الصَّحْنُ كِنَايَةٌ عَنْ قَعْرِ الدَّارِ، وَالصُّفَّةُ كِنَايَةٌ عَنْ مِصْطَبَةٍ عَالِيَةٍ فِيهَا.

قَوْلُهُ: (فَبِأَنْ يُوَلِّيَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ ظَهْرَهُ) وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا إذَا رَجَعَ الْقَهْقَرَى، فَقَوْلُهُ " فَبِأَنْ يُوَلِّيَ إلَخْ " لَيْسَ بِقَيْدٍ، وَهُوَ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ.

قَوْلُهُ: (وَيَمْشِي قَلِيلًا) أَيْ بِقَدْرِ مَا بَيْنَ الصَّفَّيْنِ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ كَمَا نَقَلَهُ ح ل عَنْ الْأَنْوَارِ، وَمِثْلُهُ م ر وَقِ ل عَلَى الْجَلَالِ.

قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَا فِي سَفِينَةٍ) أَيْ صَغِيرَةٍ بِأَنْ تَنْجَرَّ بِجَرِّهِ عَادَةً؛ لِأَنَّ الْكَبِيرَةَ كَالدَّارِ الْكَبِيرَةِ ق ل، فَقَوْلُهُ " صَغِيرَةٍ " رَاجِعٌ لِكُلٍّ مِنْ السَّفِينَةِ وَالدَّارِ.

قَوْلُهُ: (فَإِنْ فَارَقَهُ) أَيْ وَلَوْ إلَى جِهَةِ صَاحِبِهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ م د.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا إلَخْ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ بِبَدَنِهِمَا.

قَوْلُهُ: (إلَى الْوَارِثِ) أَيْ وَإِنْ تَعَدَّدَ فَيَثْبُتُ لِكُلٍّ مِنْهُمْ وَلَا يَبْطُلُ خِيَارُ أَحَدٍ مِنْهُمْ إلَّا بِمُفَارَقَةِ جَمِيعِهِمْ مَجْلِسَ الْعِلْمِ بِالْمَوْتِ، وَلَوْ فَسَخَ بَعْضُهُمْ وَأَجَازَ الْبَاقُونَ قُدِّمَ الْفَسْخُ سم؛ أَيْ لِأَنَّ الْخِيَارَ إنَّمَا شُرِعَ لِلتَّمَكُّنِ مِنْ الْفَسْخِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُقَدَّمُ الْفَسْخُ وَلَوْ كَانَ الْبَعْضُ الْفَاسِخُ أَقَلَّ مِنْ الْمُجِيزِ وَلَوْ وَاحِدًا، فَتَأَمَّلْ.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ عَامًّا) أَيْ وَهُوَ الْإِمَامُ.

قَوْلُهُ: (وَفِي الثَّانِيَةِ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُنْتَظَرُ إفَاقَتُهُ وَإِنْ لَمْ تَطُلْ مُدَّتُهُ وَلَمْ يَيْأَسْ مِنْ إفَاقَتِهِ م د؛ لَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي صُورَةِ الْإِغْمَاءِ أَنَّهُ لَا يَنْتَقِلُ إلَى الْوَلِيِّ أَوْ غَيْرِهِ إلَّا إنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ أَوْ أَيِسَ مِنْ إفَاقَتِهِ، فَإِنْ قَصُرَتْ الْمُدَّةُ بِأَنْ كَانَتْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ اُنْتُظِرَتْ إفَاقَتُهُ وَلَا يَنْتَقِلُ الْخِيَارُ إلَى الْوَلِيِّ؛ قَالَ الْحَلَبِيُّ: وَلَوْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ أَوْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ فِي أَثْنَاءِ الْمَجْلِسِ عَادَ لَهُ الْخِيَارُ.

قَوْلُهُ: (نَفَذَ ذَلِكَ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْفَسْخِ أَوْ الْإِجَازَةِ.

قَوْلُهُ: (وَلَهُمَا) أَيْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَيْ أَوْ أَحَدُهُمَا مَعَ مُوَافَقَةِ الْآخَرِ لَهُ. وَأَمَّا إذَا قَالَ أَحَدُهُمَا: بِشَرْطِ الْخِيَارِ، فَقَالَ الْآخَرُ: لَا أَشْتَرِطُ الْخِيَارَ أَصْلًا؛ فَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ. قَوْلُهُ: (لَهُمَا) مُتَعَلِّقٌ بِيَشْرِطَا أَوْ بِالْخِيَارِ. وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَ: أَوْ لِأَجْنَبِيٍّ.

قَوْلُهُ:

<<  <  ج: ص:  >  >>