وَلَيْسَ لِشَارِطِهِ لِلْأَجْنَبِيِّ خِيَارٌ إلَّا أَنْ يَمُوتَ الْأَجْنَبِيُّ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ، وَلَيْسَ لِوَكِيلِ أَحَدِهِمَا شَرْطُهُ لِلْآخَرِ وَلَا لِأَجْنَبِيٍّ بِغَيْرِ إذْنِ مُوَكِّلِهِ، وَلَهُ شَرْطُهُ لِمُوَكِّلِهِ وَلِنَفْسِهِ. وَإِمَّا يَجُوزُ شَرْطُهُ مُدَّةً مَعْلُومَةً مُتَّصِلَةً بِالشَّرْطِ مُتَوَالِيَةً (إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) فَأَقَلَّ بِخِلَافِ مَا لَوْ أُطْلِقَ أَوْ قُدِّرَ بِمُدَّةٍ مَجْهُولَةٍ أَوْ زَادَتْ عَلَى الثَّلَاثَةِ، وَذَلِكَ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: «ذَكَرَ رَجُلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ يُخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ فَقَالَ لَهُ: مَنْ بَايَعْت فَقُلْ لَا خِلَابَةَ ثُمَّ أَنْتَ بِالْخِيَارِ فِي كُلِّ
ــ
[حاشية البجيرمي]
سَوَاءٌ أَشَرَطَا إيقَاعَ أَثَرِهِ إلَخْ) وَهُوَ الْإِجَازَةُ أَوْ الْفَسْخُ. وَظَاهِرُ عِبَارَةِ الشَّارِحِ أَنَّ مَنْ شَرَطَ إيقَاعَ الْأَثَرِ مِنْهُ غَيْرُ مَنْ شَرَطَ لَهُ الْخِيَارَ، وَهِيَ عِبَارَةُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ. قَالَ مَشَايِخُنَا: وَهِيَ طَرِيقَةٌ ضَعِيفَةٌ لَمْ يَسْبِقْهُ أَحَدٌ إلَيْهَا، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ مَنْ شَرَطَ إيقَاعَ الْأَثَرِ مِنْهُ هُوَ الْمَشْرُوطُ لَهُ الْخِيَارُ فِي الْمَعْنَى سَوَاءٌ أَشَرَطَا إيقَاعَ أَثَرِهِ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا، فَلَا تَعَدُّدَ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ اشْتِرَاطُ إيقَاعِ الْأَثَرِ إذْ هُوَ ثَمَرَتُهُ م د. قَوْلُهُ: (أَمْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ) أَيْ مُكَلَّفٍ. اهـ. م ر.
قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ لِشَارِطِهِ) أَيْ وُقُوعِ الْأَثَرِ، فَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِلْأَثَرِ لِأَنَّهُ الَّذِي يَجُوزُ شَرْطُهُ لِلْأَجْنَبِيِّ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ. وَقَوْلُهُ " خِيَارٌ " أَيْ إيقَاعُ أَثَرِ خِيَارٍ، وَإِلَّا فَالْخِيَارُ لَهُ اتِّفَاقًا؛ وَإِنَّمَا الْمَنْقُولُ عَنْهُ أَثَرُهُ كَمَا ذَكَرَهُ ق ل. وَفِي فَتَاوَى ابْنِ حَجَرٍ: وَسُئِلَ عَمَّنْ شَرَطَ الْخِيَارَ لِأَجْنَبِيٍّ، هَلْ يُقَالُ إنَّهُ مِنْ قَبِيلِ التَّمْلِيكِ كَتَفْوِيضِ الطَّلَاقِ لِلزَّوْجَةِ حَتَّى يُشْتَرَطَ قَبُولُهُ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ مِنْ قَبِيلِ التَّوْكِيلِ فَيَأْتِي فِي قَبُولِهِ الْخِلَافَ؟ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: مُقْتَضَى تَصْرِيحِ الْبَغَوِيِّ بِأَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ بِالْعَزْلِ وَوَالِدُ الرُّويَانِيِّ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ شَرْطُهُ لِأَجْنَبِيٍّ كَافِرٍ وَالْمَبِيعُ عَبْدٌ مُسْلِمٌ أَوْ مُحْرِمٌ وَالْمَبِيعُ صَيْدٌ وَأَنَّ الشَّارِطَ لَوْ مَاتَ لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُ الْأَجْنَبِيِّ تَرْجِيحَ الْأَوَّلِ، وَاعْتَمَدَهُ بَعْضُهُمْ إذْ لَوْ كَانَ تَوْكِيلًا لَانْعَزَلَ بِالْعَزْلِ وَلَجَازَ شَرْطُهُ لَهُ وَإِنْ كَانَ كَافِرًا أَوْ مُحْرِمًا فِي مُسْلِمٍ وَصَيْدٍ لِأَنَّ الْكَافِرَ يَجُوزُ تَوْكِيلُهُ فِي شِرَاءِ الْمُسْلِمِ اهـ بِحُرُوفِهِ. قَالَ الْمَرْحُومِيُّ: وَيَثْبُتُ خِيَارُ الشَّرْطِ فِي كُلِّ مَا يَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الْمَجْلِسِ إلَّا فِي رِبَوِيٍّ وَسَلَمٍ وَفِيمَا يُعْتَقُ فِيهِ الْمَبِيعُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَمَا يُخَافُ فَسَادُهُ مُدَّةَ الْخِيَارِ وَالْمُصَرَّاةِ إنْ شَرَطَ فِيهَا الْخِيَارَ لِلْبَائِعِ أَوْ لَهُمَا اهـ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَحْلُبُهَا لِعَدَمِ مِلْكِهِ لَهَا وَالْبَائِعُ يَتْرُكُ حَلْبَهَا لِأَجْلِ التَّصْرِيَةِ وَتَرْكُهُ يَضُرُّهَا.
قَوْلُهُ: (بِغَيْرِ إذْنِ مُوَكِّلِهِ) فَلَوْ أَذِنَ لَهُ مُوَكِّلُهُ فِيهِ وَأَطْلَقَ بِأَنْ لَمْ يَقُلْ لِي وَلَا لَك فَاشْتَرَطَهُ الْوَكِيلُ وَأَطْلَقَ ثَبَتَ لَهُ دُونَ الْمُوَكِّلِ سم. قَوْلُهُ: (وَلِنَفْسِهِ) وَعَلَيْهِ رِعَايَةُ الْمَصْلَحَةِ فِي الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ وَلَهُ كُلٌّ مِنْهُمَا، وَإِنْ مَنَعَهُ الْمُوَكِّلُ سم.
قَوْلُهُ: (وَإِنَّمَا يَجُوزُ شَرْطُهُ) حَاصِلُ الشُّرُوطِ خَمْسَةٌ، أَوَّلُهَا التَّقْيِيدُ بِمُدَّةٍ. قَوْلُهُ: (إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) وَتَدْخُلُ لَيَالِي الْأَيَّامِ الْمَشْرُوطَةِ سَوَاءٌ السَّابِقُ مِنْهَا عَلَى الْأَيَّامِ وَالْمُتَأَخِّرُ حَجّ. وَفِي شَرْحِ م ر: أَنَّ اللَّيْلَةَ الْأَخِيرَةَ لَا تَدْخُلُ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَا هُنَا وَالْمَسْحُ عَلَى الْخُفِّ أَنَّ الشَّارِعَ نَصَّ عَلَى اللَّيَالِي فِيهِ دُونَ مَا هُنَا. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ مَا لَوْ أَطْلَقَ) مَفْهُومُ قَوْلِهِ " مُدَّةً " وَهَذَا شُرُوعٌ فِي مُحْتَرَزَاتِ الْقُيُودِ الْخَمْسَةِ، وَمَتَى انْتَفَى قَيْدٌ مِنْهَا بَطَلَ الْعَقْدُ اهـ. وَعِبَارَةُ الْمَدَابِغِيِّ عَلَى التَّحْرِيرِ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ مَعَهُ إلَّا بِشُرُوطٍ خَمْسَةٍ: أَنْ يَكُونَ مُقَيَّدًا بِمُدَّةٍ، فَخَرَجَ مَا لَوْ أُطْلِقَ كَأَنْ قَالَ: حَتَّى أُشَاوِرَ. وَأَنْ تَكُونَ مَعْلُومَةً، فَخَرَجَ مَا لَوْ قَالَ: بِشَرْطِ الْخِيَارِ أَيَّامًا. وَأَنْ تَكُونَ مُتَّصِلَةً بِالشَّرْطِ، فَخَرَجَ مَا لَوْ قَالَ: ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مَثَلًا مِنْ الْغَدِ. وَأَنْ تَكُونَ مُتَوَالِيَةً، فَخَرَجَ مَا لَوْ قَالَ: يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ. وَأَنْ تَكُونَ ثَلَاثَةً فَأَقَلَّ، فَخَرَجَ مَا لَوْ زَادَتْ. فَيَبْطُلُ الْعَقْدُ فِي الْكُلِّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مَنْعُ الْخِيَارِ إلَّا فِيمَا أَذِنَ فِيهِ الشَّارِعُ وَلَمْ يَأْذَنْ إلَّا فِي ذَلِكَ؛ قَالَ م ر: وَإِنَّمَا بَطَلَ بِشَرْطِ الزِّيَادَةِ وَلَمْ يَخْرُجْ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ لِأَنَّ إسْقَاطَ الزِّيَادَةِ يَسْتَلْزِمُ إسْقَاطَ بَعْضِ الثَّمَنِ فَيُؤَدِّي لِجَهْلِهِ اهـ. وَلَا بُدَّ أَيْضًا مِنْ تَعْيِينِ مَنْ شُرِطَ لَهُ الْخِيَارُ كَمَا فِي شَرْحِ م ر، وَعِبَارَتُهُ: وَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ الْمَشْرُوطِ لَهُ بِأَنْ يَتَلَفَّظَ هُوَ بِهِ إذَا كَانَ هُوَ الْمُبْتَدِئُ بِالْإِيجَابِ أَوْ الْقَبُولِ وَيُوَافِقُهُ الْآخَرُ مِنْ غَيْرِ تَلَفُّظٍ. قَالَ ع ش: قَضِيَّتُهُ الْبُطْلَانُ فِيمَا لَوْ قَالَ بِعْتُك بِشَرْطِ الْخِيَارِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ لِي أَوْ لَك أَوْ لَنَا، وَيُوَجَّهُ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمَشْرُوطُ لَهُ أَحَدُهُمَا وَهُوَ مُبْهَمٌ.
قَوْلُهُ: (ذَكَرَ الرَّجُلُ) بِبِنَاءِ الْفِعْلِ لِلْفَاعِلِ، فَالذَّاكِرُ هُوَ الرَّجُلُ بِدَلِيلِ مَا فِي رِوَايَةٍ ذَكَرَهَا الدَّمِيرِيُّ عَنْ «ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْت رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ يَشْكُو إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لَا يَزَالُ يُغْبَنُ» ، وَاسْمُ الرَّجُلِ حِبَّانُ بْنُ مُنْقِذِ بْنِ عَامِرٍ الْأَنْصَارِيُّ كَمَا ذَكَرَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute