للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْوُجُوهِ. قَالَ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: ٢٩] وَإِنَّمَا يَحْصُلُ الِانْتِفَاعُ أَوْ يَكْمُلُ بِالطَّهَارَةِ إلَّا مَا نَصَّ الشَّارِعُ عَلَى نَجَاسَتِهِ وَهُوَ كُلُّ مُسْكِرٍ مَائِعٍ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ» وَكَذَا الْحَيَوَانُ كُلُّهُ طَاهِرٌ لِمَا مَرَّ إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ الشَّارِعُ أَيْضًا وَهُوَ الْكَلْبُ وَلَوْ مُعَلَّمًا لِخَبَرِ مُسْلِمٍ: «طَهُورُ إنَاءِ أَحَدِكُمْ إذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ» .

وَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّ الطَّهَارَةَ إمَّا لِحَدَثٍ أَوْ خَبَثٍ أَوْ تَكْرِمَةً وَلَا حَدَثَ عَلَى الْإِنَاءِ وَلَا تَكْرِمَةَ، فَتَعَيَّنَتْ طَهَارَةُ الْخَبَثِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

لَفْظٌ يُؤْتَى بِهِ لِشِدَّةِ الِاعْتِنَاءِ بِمَا بَعْدَهُ وَقُوَّةِ التَّوَجُّهِ إلَيْهِ وَالْمُخَاطَبُ بِهِ كُلُّ وَاقِفٍ عَلَيْهِ.

قَوْلُهُ: (جَمَادٌ) الْمُرَادُ بِهِ مَا لَيْسَ حَيَوَانًا وَلَا أَصْلَ حَيَوَانٍ وَلَا جُزْءَ حَيَوَانٍ وَلَا مُنْفَصِلًا مِنْ حَيَوَانٍ فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْفَضَلَاتِ قِسْمٌ ثَالِثٌ فَلَوْ قَالَ وَالْأَعْيَانُ إمَّا جَمَادٌ وَإِمَّا حَيَوَانٌ وَإِمَّا فَضَلَاتٌ ثُمَّ قَسَّمَ الْفَضَلَاتِ إلَى مَا اسْتَحَالَ إلَى فَسَادٍ فَهُوَ نَجِسٌ كَالدَّمِ وَمَا لَا يَسْتَحِيلُ فَطَاهِرٌ كَالْعِرْقِ كَانَ أَوْلَى. اهـ. م د قَوْلُهُ: (وَلَوْ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ) فَلَا يَرِدُ أَنَّ الْحَجَرَ لَا يُؤْكَلُ، قَوْلُهُ: (مُسْكِرٍ مَائِعٍ) لَوْ سَكَتَ عَنْ لَفْظِ مَائِعٍ لَطَابَقَ الدَّلِيلَ الْمُدَّعَى لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْمُسْكِرِ مَا فِيهِ إزَالَةُ الْعَقْلِ وَهُوَ نَجِسٌ وَلَوْ جَامِدًا، وَلَا يُحْتَرَزُ بِهِ عَنْ نَحْوِ الْحَشِيشِ لِأَنَّهُ مُخَدِّرٌ لَا مُسْكِرٌ فَهُوَ طَاهِرٌ وَلَوْ مَائِعًا ق ل. وَقَوْلُهُ: لَطَابَقَ الدَّلِيلَ إلَخْ، لِأَنَّ الدَّلِيلَ لَمْ يَقُلْ فِيهِ كُلُّ مَائِعٍ، بَلْ قَالَ فِيهِ كُلُّ مُسْكِرٍ وَهُوَ يَشْمَلُ الْجَامِدَ. وَفِي شَرْحِ م ر وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ بِأَنَّ الْبَنْجَ وَالْحَشِيشَ طَاهِرَانِ مُسْكِرَانِ اهـ. وَهُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ ق ل مُخَدِّرٌ. وَعِبَارَةُ ابْنِ حَجَرٍ: وَمِثْلُ الْحَشِيشَةِ وَالْبَنْجِ الْأَفْيُونُ وَجَوْزَةُ الطِّيبِ أَيْ الْكَثِيرُ مِنْهَا وَكَثِيرُ الْعَنْبَرِ وَكَثِيرُ الزَّعْفَرَانِ، وَالْمُرَادُ بِالْإِسْكَارِ الَّذِي وَقَعَ فِي عِبَارَةِ الشَّارِحِ وَغَيْرِهِ فِي نَحْوِ الْحَشِيشِ وَمَا ضَاهَاهُ مُجَرَّدُ تَغْيِيبِ الْعَقْلِ، فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَعْبِيرِ غَيْرِهِ بِأَنَّهَا مُخَدِّرَةٌ مُنَوِّمَةٌ خِلَافًا لِمَنْ وَهَمَ فِيهِ، وَمَا ذَكَرْته فِي تَحْرِيمِ جَوْزَةِ الطِّيبِ مِنْ أَنَّهَا مُسْكِرَةٌ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ وَأَنَّهَا حَرَامٌ صَرَّحَ بِهِ أَئِمَّةُ الْمَذَاهِبِ الثَّلَاثَةِ أَيْ غَيْرَ الْحَنَفِيِّ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الْحَنَفِيَّةِ، وَفِي الْمِصْبَاحِ الْبَنْجُ مِثَالُ فَلْسٌ نَبَاتٌ لَهُ حَبٌّ يَخْلِطُ الْعَقْلَ وَيُورِثُ الْخَبَالَ وَرُبَّمَا أَسْكَرَ إذَا شَرِبَهُ الْإِنْسَانُ بَعْدَ ذَوْبِهِ، وَيُقَالُ إنَّهُ يُورِثُ النَّوْمَ اهـ.

قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ» الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا إنَّمَا هُوَ دَلِيلٌ عَلَى حُرْمَةِ الْخَمْرِ. وَأَمَّا الدَّلِيلُ عَلَى نَجَاسَتِهِ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ} [المائدة: ٩٠] إلَى قَوْلِهِ: {رِجْسٌ} [المائدة: ٩٠] أَيْ نَجَسٌ، وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا يَدُلُّ عَلَيْهَا.

قَوْلُهُ: (لِمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ خُلِقَ لِمَنَافِعِ الْعِبَادِ. قَوْلُهُ: (إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ الشَّارِعُ) أَيْ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا فَصَحَّ قَوْلُهُ بَعْدُ فَالْخِنْزِيرُ مُسْتَثْنًى حُكْمًا، وَهَذَا عَلَى قِرَاءَتِهِ بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى الْكَلْبِ، وَيَصِحُّ نَصْبُهُ عَطْفًا عَلَى مَا فِي قَوْلِهِ: إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ الشَّارِعُ، وَعَلَيْهِ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَكَلُّفٍ. وَكَتَبَ بَعْضُهُمْ عَلَى قَوْلِهِ بَعْدُ: وَالْخِنْزِيرُ هُوَ عَطْفٌ عَلَى الْكَلْبِ مِنْ قَوْلِهِ السَّابِقِ وَهُوَ الْكَلْبُ، فَيَقْتَضِي أَنَّهُ اسْتَثْنَاهُ الشَّارِعُ أَيْضًا وَقَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ الْكَلْبِ يَقْتَضِي أَنَّهُ مَقِيسٌ عَلَيْهِ وَلَمْ يَرِدْ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الشَّارِعِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ: إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ الشَّارِعُ عَلَى الْأَعَمِّ مِمَّا اسْتَثْنَاهُ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا. قَوْلُهُ: (وَلَوْ مُعَلَّمًا) فِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ قَالَ بِطَهَارَتِهِ حِينَئِذٍ اهـ. إطْفِيحِيٌّ.

قَوْلُهُ: (طَهُورُ إنَاءِ أَحَدِكُمْ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: الْأَشْهَرُ فِيهِ ضَمُّ الطَّاءِ وَيُقَالُ بِفَتْحِهَا لُغَتَانِ هَكَذَا بِخَطِّ ز ي، وَقَوْلُ الْمَحَلِّيِّ أَيْ مُطَهِّرُهُ ظَاهِرٌ فِي الْفَتْحِ، لِأَنَّ الْمُطَهِّرَ هُوَ الْآلَةُ وَمُحْتَمِلٌ لِلضَّمِّ بِأَنْ يُرَادَ بِهِ الْفِعْلُ الْمُطَهِّرُ. اهـ. ع ش.

قَوْلُهُ: (أُولَاهُنَّ) وَفِي رِوَايَةٍ: أُخْرَاهُنَّ وَهُمَا مَحْمُولَتَانِ عَلَى ثَالِثَةٍ وَهِيَ إحْدَاهُنَّ لِتَسَاقُطِ الْأُولَيَيْنِ بِتَعَارُضِهِمَا فَعُمِلَ بِالثَّالِثَةِ، أَوْ تُحْمَلُ الْأُولَى عَلَى الْأَكْمَلِ وَالثَّانِيَةُ عَلَى الْإِجْزَاءِ وَالثَّالِثَةُ عَلَى الْجَوَازِ. وَفِي رِوَايَةٍ: «وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ» بِمَعْنَى أَنَّ التُّرَابَ يَصْحَبُ السَّابِعَةَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَرَّةٍ ثَامِنَةٍ ق ل.

<<  <  ج: ص:  >  >>