فَثَبَتَتْ نَجَاسَةُ فَمِهِ وَهُوَ أَطْيَبُ أَجْزَائِهِ، بَلْ هُوَ أَطْيَبُ الْحَيَوَانَاتِ نَكْهَةً لِكَثْرَةِ مَا يَلْهَثُ فَبَقِيَّتُهَا أَوْلَى، وَالْخِنْزِيرُ لِأَنَّهُ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ الْكَلْبِ، وَفَرْعُ كُلٍّ مِنْهُمَا مَعَ الْآخَرِ أَوْ مَعَ غَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ الطَّاهِرَةِ كَالْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ ذِئْبٍ وَكَلْبَةٍ تَغْلِيبًا لِلنَّجَاسَةِ، وَأَنَّ الْفَضَلَاتِ مِنْهَا مَا يَسْتَحِيلُ فِي بَاطِنِ الْحَيَوَانِ وَهُوَ نَجِسٌ كَدَمٍ وَلَوْ تَحَلَّبَ مِنْ كَبِدٍ أَوْ طِحَالٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [المائدة: ٣] أَيْ الدَّمُ الْمَسْفُوحُ وَقَيْحٍ لِأَنَّهُ دَمٌ مُسْتَحِيلٌ وَقَيْءٍ، وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ وَهُوَ الْخَارِجُ مِنْ الْمَعِدَةِ لِأَنَّهُ مِنْ
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: (وَهُوَ) أَيْ فَمُهُ أَطْيَبُ أَجْزَائِهِ إلَخْ. وَقَوْلُهُ: (بَلْ هُوَ) أَيْ الْكَلْبُ مِنْ حَيْثُ فَمُهُ. وَقَوْلُهُ: (أَطْيَبُ الْحَيَوَانَاتِ) أَيْ غَيْرَ الْآدَمِيِّ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَطْيَبُ الْحَيَوَانَاتِ وَلَوْ الْآدَمِيَّ، لِأَنَّهُ قَدْ يُوجَدُ فِي الْمَفْضُولِ مَا لَا يُوجَدُ فِي الْفَاضِلِ وَبَابُهُ قَطَعَ.
وَقَوْلُهُ: (نَكْهَةً) أَيْ رَائِحَةَ الْفَمِ.
قَوْلُهُ: (يَلْهَثُ) قَالَ فِي الْمُخْتَارِ: لَهَثَ الْكَلْبُ أَخْرَجَ لِسَانَهُ مِنْ الْعَطَشِ أَوْ التَّعَبِ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ أَسْوَأُ حَالًا إلَخْ) اسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ عَلَى نَجَاسَةِ الْخِنْزِيرِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} [المائدة: ٣] فَإِنَّهُ رِجْسٌ بِنَاءً عَلَى رُجُوعِ الضَّمِيرِ لِلْخِنْزِيرِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهُوَ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ بَلْ يَحْتَمِلُ رُجُوعُهُ لِلْمُضَافِ وَهُوَ اللَّحْمُ، يَعْنِي أَنَّ لَحْمَهُ نَجِسٌ بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَا يَدُلُّ عَلَى نَجَاسَتِهِ فِي حَيَاتِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَلَيْسَ لَنَا دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى نَجَاسَتِهِ. قَوْلُهُ: (وَفَرْعُ كُلٍّ مِنْهُمَا مَعَ الْآخَرِ) هُوَ مُسْتَثْنًى حُكْمًا أَيْضًا كَالْخِنْزِيرِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْفَرْعَ يَتْبَعُ أَخَسَّ أَصْلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (أَوْ مَعَ غَيْرِهِ) دَخَلَ فِيهِ الْمُتَوَلِّدُ بَيْنَ كَلْبٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَآدَمِيٍّ كَذَلِكَ، وَهُوَ كَذَلِكَ إنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ صُورَةِ الْآدَمِيِّ، فَإِنْ كَانَ عَلَى صُورَتِهِ وَلَوْ فِي النِّصْفِ الْأَعْلَى فَقَطْ فَهُوَ طَاهِرٌ فِي الْعِبَادَاتِ فَيُصَلِّي وَلَوْ إمَامًا وَيَدْخُلُ الْمَسَاجِدَ وَيُخَالِطُ النَّاسَ، وَلَا يُنَجِّسُهُمْ بِمَسِّهِ مَعَ رُطُوبَةٍ، وَلَا يَنْجُسُ بِهِ الْمَاءُ الْقَلِيلُ وَلَا الْمَائِعُ. قَالَ شَيْخُنَا: وَيَتَوَلَّى الْوِلَايَاتِ كَالْقَضَاءِ وَوِلَايَةِ النِّكَاحِ، وَخَالَفَهُ الْخَطِيبُ وَلَهُ حُكْمُ النَّجِسِ فِي الْأَنْكِحَةِ وَالتَّسَرِّي وَالذَّبِيحَةِ وَالتَّوَارُثِ، وَجَوَّزَ لَهُ ابْنُ حَجَرٍ التَّسَرِّي إنْ خَافَ الْعَنَتَ. وَقَالَ شَيْخُنَا: يَرِثُ مِنْ أُمِّهِ وَأَوْلَادِهِ ق ل عَلَى التَّحْرِيرِ وَالْمُحَلَّى، وَلَوْ تَوَلَّدَ آدَمِيٌّ بَيْنَ شَاةٍ وَخَرُوفٍ مَثَلًا، فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُكَلَّفِ فِي الْتِزَامِ الْأَحْكَامِ، وَالْكَلْبُ بَيْنَ آدَمِيَّيْنِ طَاهِرٌ، وَلَا يَضُرُّ تَغَيُّرُ صُورَتِهِ كَالْمَسْخِ، وَالْآدَمِيُّ بَيْنَ كَلْبَيْنِ نَجِسٌ قَطْعًا، وَيَظْهَرُ أَنَّهُ يَجْرِي فِيهِ مَا مَرَّ عَنْ شَيْخِنَا مِنْ إعْطَائِهِ حُكْمَ الطَّاهِرِ فِي الْعِبَادَاتِ اهـ. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْآدَمِيَّ بَيْنَ شَاتَيْنِ يَصِحُّ مِنْهُ أَنْ يَخْطُبَ وَيَؤُمَّ النَّاسَ، وَيَجُوزُ ذَبْحُهُ وَأَكْلُهُ اهـ. وَقِيَاسُهُ أَنَّ الْآدَمِيَّ مِنْ حَيَوَانِ الْبَحْرِ كَذَلِكَ، وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْمُتَوَلِّدَ بَيْنَ سَمَكٍ وَآدَمِيٍّ لَهُ حُكْمُ الْآدَمِيِّ اهـ. وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ مُكَلَّفٌ فَانْظُرْهُ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ. اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ، وَلَوْ تَوَلَّدَ حَيَوَانٌ بَيْنَ السَّمَكِ وَغَيْرِهِ فَمَيْتَتُهُ نَجِسَةٌ عَلَى قِيَاسِ أَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ أَخَسَّ أَبَوَيْهِ كَمَا فِي الشَّوْبَرِيِّ قَوْلُهُ: (تَغْلِيبًا لِلنَّجَاسَةِ) كَمَا ذَكَرَ فِي قَاعِدَةِ يَتْبَعُ الْفَرْعُ إلَخْ.
قَوْلُهُ: (وَأَنَّ الْفَضَلَاتِ إلَخْ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ السَّابِقِ أَنَّ الْأَعْيَانَ إلَخْ. قَوْلُهُ: (كَدَمٍ) بِتَخْفِيفِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِهَا وَلَوْ مِنْ سَمَكٍ. قَالَ فِي الْعُبَابِ: كُلُّ سَمَكٍ مُلِّحَ وَلَمْ يُخْرَجْ مَا فِي جَوْفِهِ فَهُوَ نَجِسٌ، وَعَلَى هَذَا فَالْفَسِيخُ كُلُّهُ نَجِسٌ، وَأَمَّا الدَّمُ الْبَاقِي عَلَى اللَّحْمِ وَعِظَامِهِ مِنْ الْمُذَكَّاةِ فَنَجِسٌ مَعْفُوٌّ عَنْهُ كَمَا قَالَهُ الْحَلِيمِيُّ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْعَفْوَ لَا يُنَافِي النَّجَاسَةَ فَمُرَادُ مَنْ عَبَّرَ بِطَهَارَتِهِ أَنَّهُ مَعْفُوٌّ عَنْهُ ش م ر. وَقَوْلُهُ: فَنَجِسٌ مَعْفُوٌّ عَنْهُ صَوَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِالدَّمِ الْبَاقِي عَلَى اللَّحْمِ الَّذِي لَمْ يَخْتَلِطْ بِشَيْءٍ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ ع ش. وَيُسْتَثْنَى مِنْ الدَّمِ الْمَنِيُّ إذَا خَرَجَ عَلَى لَوْنِهِ كَمَا قَالَهُ ز ي.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ تَحَلَّبَ) أَيْ سَالَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْغَايَةَ لِلتَّعْمِيمِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ أَصْلَهُ طَاهِرٌ فَيَكُونُ طَاهِرًا، وَلَوْ سُحِقَ الْكَبِدُ وَالطِّحَالُ وَصَارَا دَمًا فَهُمَا طَاهِرَانِ فِيمَا يَظْهَرُ كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (أَيْ الدَّمُ الْمَسْفُوحُ) أَيْ السَّائِلُ فَخَرَجَ الْكَبِدُ وَالطِّحَالُ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ الْمَسْفُوحُ أَيْ بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ فَلَا يَرِدُ مَا لَوْ جَمَدَ الدَّمُ فَإِنَّهُ لَا يَطْهُرُ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ دَمٌ مُسْتَحِيلٌ) لَك أَنْ تَقُولَ كَوْنُهُ كَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي نَجَاسَتَهُ بِدَلِيلِ الْمَنِيِّ وَاللَّبَنِ، إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْمُرَادَ دَمٌ مُسْتَحِيلٌ إلَى فَسَادٍ لَا إلَى صَلَاحٍ. اهـ. سم.
قَوْلُهُ: (وَقَيْءٍ) نَعَمْ مَا خَرَجَ مِنْ حَبٍّ مُتَصَلِّبٍ بِحَيْثُ لَوْ زُرِعَ نَبْتٌ وَمِنْ بَيْضٍ كَذَلِكَ بِحَيْثُ لَوْ حُضِنَ فَرَّخَ مُتَنَجِّسٌ لَا نَجِسٌ، بِخِلَافِ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ وَلَحْمٍ لَمْ يَسْتَحِلْ فَهُوَ نَجِسٌ لِأَنَّ شَأْنَ الْمَعِدَةِ الْإِحَالَةُ قَالَهُ م ر فِي شَرْحِهِ. وَلَوْ أَكَلَ لَحْمَ كَلْبٍ لَمْ يَجِبْ تَسْبِيعُ دُبُرِهِ مِنْ خُرُوجِهِ، وَإِنْ خَرَجَ بِعَيْنِهِ قَبْلَ اسْتِحَالَتِهِ فِيمَا يَظْهَرُ لِأَنَّ الْبَاطِنَ مُحِيلٌ