وَيُقَالُ لَهُ السَّلَفُ يُقَالُ أَسْلَمَ وَسَلَّمَ وَأَسْلَفَ وَسَلَّفَ وَالسَّلَمُ لُغَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ وَالسَّلَفُ لُغَةُ أَهْلِ الْعِرَاقِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ سُمِّيَ سَلَمًا لِتَسْلِيمِ رَأْسِ الْمَالِ فِي الْمَجْلِسِ وَسَلَفًا لِتَقْدِيمِ رَأْسِ الْمَالِ. وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ} [البقرة: ٢٨٢] الْآيَةَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -: نَزَلَتْ فِي السَّلَمِ وَخَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ: «مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» وَتَقَدَّمَ تَعْرِيفُ السَّلَمِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَوَّلَ الْبُيُوعِ.
(وَيَصِحُّ السَّلَمُ حَالًّا وَمُؤَجَّلًا) بِأَنْ يُصَرِّحَ بِهِمَا أَمَّا الْمُؤَجَّلُ فَبِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ، وَأَمَّا الْحَالُّ فَبِالْأَوْلَى لِبُعْدِهِ عَنْ الْغَرَرِ. فَإِنْ قِيلَ الْكِتَابَةُ لَا تَصِحُّ بِالْحَالِّ وَتَصِحُّ بِالْمُؤَجَّلِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْأَجَلَ فِيهَا إنَّمَا وَجَبَ لِعَدَمِ قُدْرَةِ الرَّقِيقِ وَالْحُلُولُ يُنَافِي ذَلِكَ. وَيُشْتَرَطُ تَسْلِيمُ رَأْسِ الْمَالِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ قَبْلَ لُزُومِهِ، فَلَوْ تَفَرَّقَا قَبْلَ قَبْضِ رَأْسِ الْمَالِ أَوْ أَلْزَمَاهُ بَطَلَ
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَأَسْلَفَ وَالْمَصْدَرُ الْإِسْلَامُ وَالْإِسْلَافُ وَلَفْظُ السَّلَمِ خَاصٌّ بِمَا فِي الْبَابِ بِخِلَافِ لَفْظِ السَّلَفِ فَمُشْتَرِكٌ بَيْنَ السَّلَمِ وَالْقَرْضِ
قَوْلُهُ (فِي السَّلَمِ) لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ وَلَا غَيْرُهُ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ مَعْنَاهُ لُغَةً لَكِنْ ذَكَرَ الْعَلَّامَةُ الْمُلَّا مِسْكِينٌ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ أَنَّهُ لُغَةً الِاسْتِعْجَالُ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ وَكَأَنَّ وَجْهَهُ أَنَّ الشَّرْعَ لَمَّا أَوْجَبَ تَسْلِيمَ رَأْسِ الْمَالِ فِي الْمَجْلِسِ كَأَنَّهُ اسْتَعْجَلَهُ وَذَكَرَ الْمَدَابِغِيُّ عَنْ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ مَعْنَاهُ لُغَةً التَّقْدِيمُ وَمِنْهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِبَعْضِ الصَّحَابَةِ حِينَ أَسْلَمَ «أَسْلَمْت عَلَى مَا أَسْلَفْت مِنْ خَيْرٍ» أَيْ قَدَّمْت
قَوْلُهُ وَيُقَالُ لَهُ السَّلَفُ ذَكَرَهُ لِأَنَّهُ الْوَاقِعُ فِي الْحَدِيثِ ق ل وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ فِي الْحَدِيثِ رِوَايَتَيْنِ بِالْفَاءِ وَبِالْمِيمِ فَكُلٌّ مِنْهُمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ كَمَا فِي أج لَكِنْ الْمَذْكُورُ فِي الشَّارِحِ مَنْ أَسَلَفَ فَكَلَامُ ق ل نَاظِرٌ لَهُ قَوْلُهُ لِتَقْدِيمِ رَأْسِ الْمَالِ أَيْ وَالسَّلَفُ مَعْنَاهُ لُغَةً السَّابِقُ قَوْلُهُ {إِذَا تَدَايَنْتُمْ} [البقرة: ٢٨٢] أَيْ تَحَمَّلْتُمْ دَيْنًا فَالْبَاءُ صِلَةٌ وَفُسِّرَ الدَّيْنُ فِيهَا بِدَيْنِ السَّلَمِ وَهُوَ الْمُسَلَّمُ فِيهِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ وَعِبَارَةُ الْبَيْضَاوِيِّ أَيْ إذَا دَايَنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا تَقُولُ دَايَنْته إذَا عَامَلْته نَسِيئَةً مُعْطِيًا أَوْ آخِذًا قَوْلُهُ مَنْ أَسْلَفَ أَيْ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُسَلِّفَ فِي مَكِيلٍ فَلْيَكُنْ مَعْلُومًا أَوْ إلَى أَجَلٍ فَلْيَكُنْ مَعْلُومًا لَا أَنَّهُ حَصَرَهُ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْمُؤَجَّلِ فَلَا يُنَافِي مَا يَأْتِي أَنَّهُ يَكُونُ حَالًّا أَيْضًا وَيَكُونُ فِيمَا يُعَدُّ كَاللَّبَنِ وَفِيمَا يُذْرَعُ كَالثِّيَابِ وَفِي الْحَيَوَانَاتِ ح ل مَعَ زِيَادَةِ قَوْلِهِ (وَتَقَدَّمَ تَعْرِيفُ السَّلَمِ) وَهُوَ بَيْعُ شَيْءٍ مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ بِلَفْظِ السَّلَمِ لِأَنَّهُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ بَيْعٌ عَلَى الْمُعْتَمَدِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ لَيْسَ لَنَا عَقْدٌ يَتَوَقَّفُ عَلَى لَفْظٍ مَخْصُوصٍ إلَّا ثَلَاثَةٌ السَّلَمُ وَالنِّكَاحُ وَالْكِتَابَةُ وَقَضِيَّةُ كَوْنِهِ بَيْعًا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ سَلَمُ كَافِرٍ فِي كُلِّ مَا امْتَنَعَ تَمَلُّكُهُ مِنْ رَقِيقٍ مُسْلِمٍ أَوْ مُرْتَدٍّ أَوْ مُصْحَفٍ أَوْ كُتُبِ حَدِيثٍ أَوْ كُتُبِ فِقْهٍ فِيهَا آثَارُ السَّلَفِ خِلَافًا لِلْمَاوَرْدِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ وَكَذَلِكَ الْحَرْبِيُّ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ السَّلَمُ فِي عِدَّةِ الْقِتَالِ مِنْ سِلَاحٍ وَخَيْلٍ وَكَذَلِكَ الْمُحْرِمُ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ السَّلَمُ فِي الصَّيْدِ الْبَرِّيِّ الْوَحْشِيِّ الْمَأْكُولِ فَيُعْتَبَرُ لَهُ مَا يُعْتَبَرُ فِي الْبَيْعِ إلَّا الرُّؤْيَةَ وَلِهَذَا صَحَّ سَلَمُ الْأَعْمَى
قَوْلُهُ: (حَالًّا) خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، وَهُوَ وَمُؤَجَّلًا حَالَّانِ عَلَى الْإِسْنَادِ الْمَجَازِيِّ، وَالْأَصْلُ: حَالًّا الْمُسَلَّمُ فِيهِ وَمُؤَجَّلًا الْمُسَلَّمُ فِيهِ. قَالَ سم: وَلَوْ أَلْحَقَا بِهِ أَجَلًا فِي الْمَجْلِسِ لَحِقَ أَوْ ذَكَرَا أَجَلًا ثُمَّ أَسْقَطَاهُ فِي الْمَجْلِسِ صَحَّ. قَوْلُهُ: (بِأَنْ يُصَرِّحَ بِهِمَا) فَإِنْ أَطْلَقَ الْعَقْدَ حَالًّا كَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ الْمُطْلَقِ سم. وَلَوْ قَالَ بِهِ لِيَرْجِعَ إلَى الْمُؤَجَّلِ فَقَطْ لَكَانَ أَوْلَى، إذْ الْحُلُولُ لَا يُشْتَرَطُ التَّصْرِيحُ بِهِ لِحَمْلِ الْإِطْلَاقِ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ قِيلَ إلَخْ) وَارِدٌ عَلَى قَوْلِهِ " وَأَمَّا الْحَالُّ فَبِالْأَوْلَى " فَهُوَ مِنْ طَرَفِ الْمُخَالِفِ كَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ السَّلَمَ لَا يَصِحُّ حَالًّا كَالْكِتَابَةِ. وَحَاصِلُ الْجَوَابِ الْفَرْقُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute