للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعَقْدُ، أَوْ قَبْلَ تَسْلِيمِ بَعْضِهِ بَطَلَ فِيمَا لَمْ يُقْبَضْ وَفِيمَا يُقَابِلُهُ مِنْ الْمُسَلَّمِ فِيهِ، فَلَوْ أُطْلِقَ كَأَسْلَمْت إلَيْك دِينَارًا فِي ذِمَّتِي فِي كَذَا ثُمَّ عَيَّنَ الدِّينَارَ وَسَلَّمَ فِي الْمَجْلِسِ قَبْلَ التَّخَايُرِ جَازَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ حَرِيمُ الْعَقْدِ، وَلَوْ قَبَضَهُ الْمُسَلَّمُ إلَيْهِ فِي الْمَجْلِسِ وَأَوْدَعَهُ الْمُسَلِّمَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ جَازَ لِأَنَّ الْوَدِيعَةَ لَا تَسْتَدْعِي لُزُومَ الْمِلْكِ وَكَذَا يَجُوزُ رَدُّهُ إلَيْهِ عَنْ دَيْنِهِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ أَصْلِ الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الرِّبَا، وَيَجُوزُ كَوْنُ رَأْسِ الْمَالِ مَنْفَعَةً وَتُقْبَضُ بِقَبْضِ الْعَيْنِ. وَرُؤْيَةُ رَأْسِ الْمَالِ تَكْفِي عَنْ مَعْرِفَةِ قَدْرِهِ

وَلَا يُسَلَّمُ إلَّا (فِيمَا تَكَامَلَ) أَيْ اجْتَمَعَ (فِيهِ خَمْسُ شَرَائِطَ) الْأَوَّلُ: (أَنْ يَكُونَ) الْمُسَلَّمُ فِيهِ (مَضْبُوطًا بِالصِّفَةِ) الَّتِي لَا يَعِزُّ وُجُودُهَا كَالْحُبُوبِ وَالْأَدْهَانِ وَالثِّمَارِ وَالثِّيَابِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَرِقَّاءِ وَالْأَصْوَافِ وَالْأَخْشَابِ وَالْأَحْجَارِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَوْلُهُ: (وَيُشْتَرَطُ تَسْلِيمُ إلَخْ) سَيَأْتِي هَذَا فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَأَنْ يَتَقَابَضَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ، فَلَا حَاجَةَ لِذِكْرِ الشَّارِحِ لَهُ. وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا حُلُولُهُ كَمَا فِي الْمَنْهَجِ. وَسَيَأْتِي آخِرَ الشَّرْحِ، فَلَوْ كَانَ مُؤَجَّلًا وَتَقَابَضَاهُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ.

قَوْلُهُ: (فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ) كَقَوْلِهِمَا: اخْتَرْنَا لُزُومَ الْعَقْدِ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: قَبْلَ التَّفَرُّقِ، إذْ لَوْ تَأَخَّرَ لَكَانَ فِي مَعْنَى بَيْعِ الْكَالِئِ إنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ فِي الذِّمَّةِ، وَلِأَنَّ السَّلَمَ عَقْدُ غَرَرٍ جُوِّزَ لِلْحَاجَةِ فَلَا يُضَمُّ إلَيْهِ غَرَرٌ آخَرُ أَيْ إنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ مُعَيَّنًا.

قَوْلُهُ: (أَوْ أَلْزَمَاهُ) أَيْ قَبْلَ قَبْضِ رَأْسِ الْمَالِ، وَلَوْ قَدَّمَهُ عَلَيْهِ لَكَانَ أَوْلَى.

قَوْلُهُ: (بَطَلَ فِيمَا لَمْ يُقْبَضْ) أَيْ وَيَثْبُتُ لِلْمُسَلَّمِ إلَيْهِ الْخِيَارُ لَا لِلْمُسَلِّمِ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ لَمْ تَتَفَرَّقْ عَلَيْهِ بَلْ عَلَى الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ، مَدَابِغِيٌّ.

قَوْلُهُ: (فَلَوْ أَطْلَقَ) أَيْ رَأْسَ الْمَالِ، أَيْ لَمْ يُعَيِّنْ فِي الْعَقْدِ؛ فَالْمُرَادُ بِالْإِطْلَاقِ عَدَمُ التَّعْيِينِ وَإِلَّا فَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا فِي الذِّمَّةِ وَهَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ تَسْلِيمُ رَأْسِ الْمَالِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمَدَارَ عَلَيْهِ لَا عَلَى التَّعْيِينِ فِي الْعَقْدِ.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْمَجْلِسَ حَرِيمُ الْعَقْدِ) أَيْ فَلَهُ حُكْمُهُ، وَكَذَا يَجُوزُ فِيهِ إلْحَاقُ الْأَجَلِ وَإِسْقَاطُهُ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ سم. وَفِي الْقَامُوسِ: حَرِيمُ الدَّارِ حُقُوقُهَا اهـ فَيَكُونُ الْمَعْنَى حَرِيمُ الْعَقْدِ أَيْ حَقُّهُ وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى غَيْرِ مَالِكِهِ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِالِانْتِفَاعِ بِهِ،. اهـ. مِصْبَاحٌ.

قَوْلُهُ: (وَأَوْدَعَهُ الْمُسَلِّمَ) لَا إنْ أُحِيلَ بِهِ مِنْ الْمُسَلِّمِ، فَلَا يَصِحُّ وَإِنْ قَبَضَ فِيهِ، أَيْ قَبَضَهُ الْمُحْتَالُ وَهُوَ الْمُسَلَّمُ إلَيْهِ فِي الْمَجْلِسِ؛ شَرْحُ الْمَنْهَجِ.

قَوْلُهُ: (جَازَ) أَيْ وَلَا يُقَالُ إنَّ رُجُوعَهُ لِيَدِ الْمُسَلِّمِ عَلَى جِهَةِ الْوَدِيعَةِ يُبْطِلُ الْقَبْضَ السَّابِقَ؛ لِأَنَّ التَّفَرُّقَ حَصَلَ وَهُوَ فِي يَدِ الْمُسَلِّمِ وَدِيعَةً، فَرُبَّمَا يُقَالُ إنَّ هَذَا كَعَدَمِ الْقَبْضِ بِالْكُلِّيَّةِ.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْوَدِيعَةَ لَا تَسْتَدْعِي إلَخْ) قَضِيَّتُهُ أَنَّ التَّصَرُّفَ الَّذِي يَسْتَدْعِي لُزُومَ الْمِلْكِ لَا يَصِحُّ مِنْ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ مَعَ الْآخَرِ. وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا يَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ " وَكَذَا يَجُوزُ رَدُّهُ لَهُ عَنْ دَيْنِهِ " إذْ مَحَلُّ التَّفْصِيلِ إذَا كَانَ التَّصَرُّفُ لِأَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ مَعَ أَجْنَبِيٍّ لَا مَعَ صَاحِبِهِ، فَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُ أَحَدِهِمَا مَعَ أَجْنَبِيٍّ قَبْلَ لُزُومِ الْعَقْدِ بِتَصَرُّفٍ يَسْتَدْعِي لُزُومَ الْمِلْكِ كَالْبَيْعِ وَالْإِقْرَاضِ.

قَوْلُهُ: (لَا تَسْتَدْعِي لُزُومَ الْمِلْكِ) كَأَنَّ الْمَعْنَى لَا تَتَوَقَّفْ عَلَى لُزُومِ الْمِلْكِ بَلْ تَصِحُّ قَبْلَ لُزُومِهِ، شَوْبَرِيٌّ.

قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ كَوْنُ رَأْسِ الْمَالِ مَنْفَعَةً) أَيْ مَعْلُومَةً، كَمَا يَجُوزُ جَعْلُهَا ثَمَنًا وَأُجْرَةً وَصَدَاقًا كَأَسْلَمْت إلَيْك مَنْفَعَةَ دَارِي سَنَةً فِي كَذَا، وَيُشْتَرَطُ تَسْلِيمُهَا أَيْ الدَّارِ بِالْمَجْلِسِ.

قَوْلُهُ: (وَتُقْبَضُ بِقَبْضِ الْعَيْنِ) أَيْ الْمُتَعَلِّقِ بِهَا تِلْكَ الْمَنْفَعَةُ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا تَعَذَّرَ الْقَبْضُ الْحَقِيقِيُّ اكْتَفَى بِهَذَا لِأَنَّهُ الْمُمْكِنُ فِي قَبْضِ الْمَنْفَعَةِ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلْعَيْنِ. وَمِنْ هَذَا يُؤْخَذُ أَنَّهُ لَوْ جَعَلَ رَأْسَ الْمَالِ عَقَارًا غَائِبًا وَمَضَى فِي الْمَجْلِسِ زَمَنٌ يُمْكِنُ فِيهِ الْمُضِيُّ إلَيْهِ وَالتَّخْلِيَةُ صَحَّ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ فِيهِ بِذَلِكَ، وَهُوَ كَذَلِكَ. وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الْمَنْفَعَةُ مُتَعَلِّقَةً بِبَدَنِهِ كَأَسْلَمْت إلَيْك خِدْمَتِي شَهْرًا أَوْ تَعْلِيمِي سُورَةَ كَذَا فِي كَذَا صَحَّ، فَيُسَلِّمُ نَفْسَهُ وَلَيْسَ لَهُ إخْرَاجُهَا عَنْ التَّسْلِيمِ كَمَا فِي الْإِجَازَةِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر.

قَوْلُهُ: (تَكْفِي عَنْ مَعْرِفَةِ قَدْرِهِ) كَالثَّمَنِ الْمُعَيَّنِ. هَذَا إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ مِثْلِيًّا، وَمِثْلُهُ الْمُتَقَوِّمُ إذَا كَانَ مُنْضَبِطَ الصِّفَاتِ، فَإِنْ اتَّفَقَ فُسِخَ وَتَنَازَعَا فِي الْقَدْرِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ غَارِمٌ كَمَا قَالَهُ الْعَنَانِيُّ.

قَوْلُهُ: (الَّتِي لَا يَعِزُّ وُجُودُهَا) الْعِزَّةُ مَعْنَاهَا الْقِلَّةُ. وَيُغْنِي عَنْ هَذَا الْقَيْدِ قَوْلُهُ الْآتِي: وَأَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا عِنْدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>