والأصل في ذلك أن نعم وبئس فعلان وضعا للمدح والذم بعدما نقلا عن أصليهما وهما النعم والبؤس، وفاعلهما لا يكون أبدًا إلا معرفًا بالألف واللام اللتين هما للجنس، أو ما أضيف إلى ما هما فيه كقولك: نعم الرجل زيد، ونعم صاحب العشيرة عمرو، أو يضمر هذا الاسم على أن تفسيره نكرة من جنسه فينصب على التمييز، كقوله تعال:{بئس للظالمين بدلا} أي بئس البدل بدلا، فأضمره وفسره بالنكرة المنصوبة من جنسه.
ومنع أهل العربية أن يكون فاعل هذين الفعلين مخصوصًا، ولهذا لم يجيزوا أن يقال: نعم زيد ولا نعم أبو علي [حتى يقال: نعم الرجل زيد ونعم الرجل أبو علي، ويكون تقدير الكلام: الممدوح في الرجال زيد، وإنما جوز نعم ما صنعت لدلالة الفعل الموجود على الاسم المحذوف، إذ تقدير الكلام نعم الفعل ما فعلت،
ــ
ولو لم يصح الإسناد لم يصح ما أضيف إليه.
وقوله:(ينصب على التمييز) ليس بصحيح لأن التمييز لا يكون إلا بنكرة صالحة لقبول أل.
والمراد بأهل العربية أهل البصرة.
وبما قررناه لك أولاً عرف ما في كلام المصنف من القصور، ثم إنه قال: نعم للمبالغة في المدح كبئس للمبالغة في الذم، ورد على من قال: إنهما للاقتصاد في ذلك، وتخطئة من قال في حق "علي": نعم الرجل، وقد قال - جل من قائل -: {نعم المولى ونعم النصير}.
وعندي أنها بحسب الوضع تفيد المبالغة إلا أنها بحسب العرف ليست كذلك حتى لو قال أحد لآخر: نعم أنت وبخه على ذلك، فلم يتوارد كلام الأموي و"شريك" على محل واحد، وكذا كلام المصنف لم يصب محزه - فتدبر.