وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ)، لما كان النسخ من مظان الفتن والشبه، أكد وكرر وبالغ مرارًا، (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ)، أحد من الآحاد، (عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ)، فإن اليهود قالت: ما درى محمد أين قبلته حتى هديناه، فلما صرفت القبلة بطلت صورة حجتهم، (إِلا الذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ): من الناس، كمشركي مكة، فإنهم قالوا: محمد قد تحير في دينه وسيعود إلى ملتنا كما عاد إلى قبلتنا، والاستثناء متصل، قيل: معناه لئلا يكون لأحد من اليهود حجة، إلا للمعاندين منهم، فحجة المنصفين أن يقال لم لا يحول إلى قبلة إبراهيم كما هو مذكور في نعته في التوراة؟ وحجة المعاندين، أنه ما ترك قبلة الأنبياء إلا ميلاً إلى دين قومه، والمراد من الحجة ما يساق سياقها، (فَلاَ تَخْشَوْهُمْ)، المشركين، فمطاعنهم لا تضركم، (وَاخْشَوْنِي): فلا تخالفوا أمرى، (وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ)، بتكميل الشريعة، وهو عطف عدى قوله لئلا يكون، (وَلَعَلكُمْ تَهْتدُون): لكي تهتدوا أنتم خصوصًا إلى قبلة إبراهيم، (كَمَا أَرْسَلْنَا فيكُمْ)، متصل بما بعده، أي: كما ذكركم بالإرسال، فاذكرونى، أو بما قبله، ومعناه: ولأتم نعمتي عليكم في الآخرة كما أتممتها في الدنيا بإرسال رسول منكم، (رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ): يحملكم ما تصيرون به أزكياء من رذائل الأخلاق، (وَيعَلِّمُكُم الكِتَابَ): القرآن، (وَالْحِكمَةَ): السنة، (وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ): بالفكر من الأحكام