أما العلوم الكونية، وأما المعارف والصنائع، وما جدّ أو يجدّ في العالم من فنون ومعارف كعلم الهندسة والحساب، وعلم الهيئة والفلك، وعلم الاقتصاد والاجتماع، وعلم الطبيعة والكيمياء، وعلم الحيوان والنبات، فإن شيئا من ذلك لا يجمل عده من علوم القرآن. لأن القرآن لم ينزل ليدلل على نظرية من نظريات الهندسة مثلا، ولا ليقرر قانونا من قوانينها، وكذلك علم الهندسة لم يوضع ليخدم القرآن في شرح آياته أو بيان أسراره. وهكذا القول في سائر العلوم الكونية والصنائع العالمية، وإن القرآن قد دعا المسلمين إلى تعلمها وحذقها والتمهر فيها خصوصا عند الحاجة إليها، وإنما قلنا: إنه لا يجمل اعتبار علوم الكون وصنائعه من علوم القرآن مع أن القرآن يدعو إلى تعلمها، لأن هناك فرقا كبيرا بين الشيء يحث القرآن على تعلمه في عموماته أو خصوصاته، وبين العلم يدل القرآن على مساءلة ويرشد إلى أحكامه ... »
فالخلاصة أنّ القرآن الكريم يحث الإنسان على طلب العلم ويدعوه إلى النظر والتأمل في حقائق الكون، لكنه لا يقصد الى تعليم المؤمنين تفصيلات المعارف الكونية. ومن هنا كان الزج بهذه المعارف في تفسير القرآن من باب التأويل الذي قد يسيء إلى نصوص الكتاب الكريم، وإن حسنت نية الساعي إلى هذا التأويل.
وقد كان المرحوم الأستاذ أمين الخولي يؤكد هذا المعنى دائما في محاضراته عن القرآن الكريم بجامعة القاهرة.
وقد استقل بذاته كثير من علوم القرآن، أي الدراسات التي ارتبطت به، لوفرة ما كتب فيها من مؤلفات ولغزارة المادة التي عالجتها، فأصبحت عبارة علوم القرآن في مفهومها الخاص تقتصر على جانب معين من هذه الدراسات. لقد أصبح مجالها مقتصرا على أبحاث تتعلق بالقرآن الكريم من ناحية نزوله وترتيبه وجمعه وكتابته وقراءته وتفسيره وإعجازه وناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، ونحو ذلك.
وهذا المعنى الخاص هو الذي سيكون موضوع محاضراتنا هذا العام، إلى جانب ما ندرسه من آيات القرآن الكريم.