للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكان منهم من رأى الاجتهاد في فهم نصوص القرآن بعد التسلح بأدوات الاجتهاد، وكان منهم من رأى أن للقرآن ظاهرا وباطنا، وجاء لكل آية بتفسير لا يرتبط بلفظ الآية إلا عن طريق التأويل، وسنفصل القول في هذه الأمور على أساس ما وصلنا من آراء علماء التفسير القدامى والمحدثين.

يقسم الطبري آيات القرآن من حيث قابليتها للتأويل إلى ثلاثة أنواع:

١ - ما لا يوصل إلى علم تأويله إلا ببيان الرسول، وذلك تأويل جميع ما فيه من وجوه أمره- واجبه وندبه وإرشاده- وصنوف نهيه ووظائف حقوقه وحدوده، ومبالغ فرائضه، ومقادير اللازم بعض خلقه لبعض (أي ما يكون من علاقات تجب مراعاتها بين الناس)، وما أشبه ذلك من أحكام آياته التي لم يدرك علمها إلا ببيان الرسول لأمته. وهذا وجه لا يجوز لأحد القول فيه إلا ببيان الرسول لتأويله، بنص منه عليه أو بدلالة قد نصبها، دالة أمته على تأويله.

٢ - ما لا يعلم تأويله إلا الله، وذلك ما فيه من الخبر عن آجال حادثة، وأوقات آتية، كوقت قيام الساعة، والنفخ في الصور، ونزول عيسى بن مريم، وما أشبه ذلك، فإن تلك أوقات لا يعلم أحد حدودها، ولا يعرف أحد من تأويلها إلا الخبر بأشراطها لاستئثار الله بعلم ذلك على خلقه. من ذلك قوله تعالى:

يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها، قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ، ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً.

(الأعراف: ١٨٧) وكان النبي إذا ذكر شيئا من ذلك، لم يدل عليه إلا باشراطه دون تحديده بوقته.

<<  <   >  >>