بأغلال نفسه محجوب عن شهود غيبه وحقه، فهو لا يبصر رشده ولا يسلك قصده. ويقال إن الذي بقي في ظلمات رعونته، سواء عنده نصح المرشدين وتسويلات المبطلين، لأن الله تعالى نزع عن أحواله بركات الإنصاف، فلا يدرك بسمع القبول ولا يصغي إلى داعي الرشاد».
أما ابن عربي فيقدم لنا التأويل بصورة واضحة في تفسيره لقوله تعالى:
يقول: «ثم شبههم ثانيا بقوم أصابهم مطر فيه ظلمات ورعد وبرق، فالمطر هو نزول الوحي الإلهي، ووصول أمداد الرحمة إليهم ببركة صحبة المؤمنين، وبقية استعدادهم مما يفيد قلوبهم أدنى لين، وحصول النعم الظاهرة لهم بموافقتهم في الظاهر، والظلمات هي الصفات النفسانية، والشكوك الخيالية والوهمية والوساوس الشيطانية مما تحيرهم وتوحشهم. والرعد هو التهديد الإلهي والوعيد القهري لوارد في القرآن والآيات والآثار المسموعة والمشاهدة مما يخوفهم فيفيد أدنى انكسار لقلوبهم الطاغية وانهزام لنفوسهم الآبية. والبرق هو اللوامع النورية والتنبيهات الروحية عند سماع الرعد وتذكير الآلاء والنعماء، مما يطمعهم ويرجيهم، فيفيدهم أدنى شوق وميل إلى الإجابة. ومعنى (يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت) يتشاغلون عن الفهم بالملاهي والملاعب عن سماع آيات الوعيد لكي لا ينجع فيهم فيقطعهم عن اللذات الطبيعية بهموم الآخرة إذ الانقطاع عن الذات الحسية هو موتهم، والله قادر عليهم قاطع إياهم عن تلك اللذات المألوفة بالموت الطبيعي، قدرة المحيط بالشيء الذي لا يفوته منه، فلا فائدة لحذرهم».