هذان مثالان للتفسير الصوفي أردت أن أقدم فيهما لونا من التفسير القرآني عند هؤلاء المفكرين المسلمين الذين ذهبوا إلى أن آيات القرآن لها معان ظاهرة، وأخرى باطنة تشير الآيات إليها. وقد أعلن هؤلاء إيمانهم بالظاهر والباطن، فهم من هذه الناحية يختلفون عن فرق الباطنية التي تنصرف عن ظاهر النص وتكتفي بتأويل القرآن، مكتفية بما تدعي أنها المعاني الباطنية. وهؤلاء هم الذين حمل عليهم الغزالي في كتابه فضائح الباطنية.
وقد نقل السيوطي عن ابن عطاء الله السكندري رأيه في تفسير الصوفية، وفيه يقول:
«اعلم أن تفسير هذه الطائفة لكلام الله وكلام رسوله بالمعاني الغريبة، ليس إحالة للظاهر عن ظاهره، ولكن ظاهر الآية مفهوم منه ما جاءت الآية له ودلت عليه في عرف اللسان. ولهم إفهام باطنة تفهم عند الآية والحديث لمن فتح الله قلبه. وقد جاء في الحديث:(لكل آية ظهر وبطن).
فلا يصدنك عن تلقي هذه المعاني منهم أن يقول ذو جدل ومعارضة: هذا إحالة لكلام الله وكلام رسوله، فليس ذلك بإحالة، وإنما يكون إحالة لو قالوا:
لا معنى للآية إلا هذا. وهم لم يقولوا ذلك بل يقررون الظواهر على ظواهرها مرادا بها موضوعاتها، ويفهمون عن الله ما ألهمهم».
والواقع أن للصوفية لفتات جيدة في فهم كثير من نصوص القرآن. وما داموا يقرون بالمعاني الظاهرة للآيات، ويؤمنون بها، فلا خوف من تأويلاتهم التي لا تتعارض مع مضمون آيات القرآن.
ويعتبر تفسير الكشاف للزمخشري مثالا لتفسيرات المعتزلة. لقد عني صاحب الكشاف بمسائل البلاغة في تفسيره. كذلك جاء تفسيره سهل العبارة، خاليا من الحشو. لكن الزمخشري يعنى في تفسيره بشرح عقائد المعتزلة، ويحاول تأييدها بشتى الأدلة.