للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

منسوخ من هذه الجملة «وأسيرا»، والمراد بذلك أسير المشركين، فقرئ الكتاب عليه وابنته تسمع، فلما انتهى إلى هذا الموضع قالت: «أخطأت يا أبت في هذا الكتاب! فقال لها: وكيف يا بنية؟ قالت: أجمع المسلمون على أن الأسير يطعم ولا يقتل جوعا (١)».

وينقل ابن العربي عن بعض الفقهاء أنّهم قالوا في قوله تعالى في سورة البقرة وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ*.

أنه منسوخ، فنظر إلى أنه لما كان بهذا الوجه فرضا سوى الزكاة، وجاءت الزكاة المفروضة فنسخت كل صدقة جاءت في القرآن، كما نسخ صوم رمضان كل صوم، ونسخت الصلاة كل صلاة (٢)».

وهذا كما ترون ينطوي على نظرة خاطئة، فكلام الله يعني أن الإنفاق من الرزق الحلال مستحب، سواء أكان هذا الإنفاق للتصدق، أو إنفاقا على الأهل، ولا شأن لذلك بفريضة الزكاة المنصوص عليها. فهناك ألوان من المغالاة في افتعال هذا النوع من الدراسة عند بعض الباحثين.

ومن جهة أخرى يرفض بعض المحققين فكرة النسخ في القرآن الكريم، ومن هؤلاء أبو مسلم الأصفهاني. ويرون أن المقصود بالآية في قوله تعالى:

ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها.

أن المقصود بالآية هنا هو المعجزة، ويرى هؤلاء أن ما يدّعى نسخه لا يتعذر التوفيق بينه، فلا ناسخ ولا منسوخ بل الأحكام جميعها متكاملة ثابتة (٣) ومما هو جدير بالذكر أن الآيات التي تحتاج إلى التوفيق بينها تكاد لا تزيد عن عشرين آية، أمّا ما ورد سوى ذلك فهو من قبيل التفصيل لحكم عام أو التقييد لحكم مطلق، وليس مما ينطبق عليه معنى النسخ، أي الإزالة.


(١) البرهان، ج ٢، ص ٢٩.
(٢) أحكام القرآن، ج ١، ص ١١.
(٣) ممن يميل إلى ذلك من فقهاء العصر الحاضر الشيخ محمد أبو زهرة.
انظر مصادر الفقه الاسلامي، ص ١٤٣، ١٤٤.

<<  <   >  >>