للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إذا ما الملك سام الناس خسفا ... أبينا أن نقرّ الخسف فينا (١)

والخسف: الظلم. {وَواعَدْنا مُوسى} وضربنا لموسى ميقاتا لكلامه عند انقضاء الميقات فصام ثلاثين يوما، فوجد من فيه رائحة كريهة من الخلوف (٢)؛ قيل: فمضغ عشبا، ليذهب الخلوف. وقيل: تسوّك فأوحى الله إليه: أما علمت أن خلوف فم الصائم عندي أطيب من ريح المسك، صم عشرا أخر {فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} (٣) الميقات يجوز نسبته إلى الله وإلى موسى، لكن لما قال: {فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ} قال: {وَلَمّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا} وقياسه أن يقول: وكلمناه، لكن فيه التفات. لما سمع موسى الكلام هاج به الشوق وطلب الرؤية من غير استئذان على طلبها، فقيل له: سنتجلّى لما هو أقوى منك فإذا لم يستقر فأنت أضعف من ذلك، وقرئ {جَعَلَهُ دَكًّا} (٤) والدكاء: الناقة التي لا سنام لها، أي: جعل مكانه مستويا بالأرض. {وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً} مغشّيا عليه من غير موت، ولهذا قال: {فَلَمّا أَفاقَ} وقال في حق السبعين: {فَأَخَذَتْكُمُ الصّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (٥٥) ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ} (٥) فكانت صعقة أولئك موتا {قالَ سُبْحانَكَ} لا ينبغي لأحد أن يطلب ما لم يؤذن له فيه، وكذلك قال لنوح: {فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} وقال نوح: {رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ} (٦). {إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النّاسِ} باجتماع أمرين: بالرسالة والكلام، وغيره من الأنبياء السابقين وإن أرسل فلم يكلم من غير واسطة {وَكَتَبْنا} تقديره وكنا قد كتبنا؛ لأن كان قد استصحبها مكتوبة، والواو لا تقتضي الترتيب (٧). {وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ} يحتاج إليه في أمر المعاش والمعاد. {فَخُذْها}


(١) البيت من معلقته، ينظر في: تفسير القرطبي (١/ ٤٢٤)، خزانة الأدب للبغدادي (١/ ٤٢٣)، الدر المصون للسمين الحلبي (١/ ٢١٨)، شرح المعلقات لابن الخطيب التبريزي (ص: ٣٩٥)، الكشاف للزمخشري (١/ ١٣٧).
(٢) الخلوف: تغير طعم الفم لتأخر الطعام. ينظر: لسان العرب (خلف).
(٣) ذكره البغوي في تفسيره معالم التنزيل (١/ ٢٧٥)، والزمخشري في الكشاف (٢/ ١٥١).
(٤) هذه قراءة حمزة والكسائي وخلف، وقرأ باقي العشرة "دكا". تنظر في: البحر المحيط لأبي حيان (٤/ ٣٨٤)، الحجة لابن خالويه (ص: ١٦٣)، حجة أبي زرعة (ص: ٢٩٥)، الدر المصون للسمين الحلبي (٣/ ٣٣٩)، السبعة لابن مجاهد (ص: ٢٩٣)، الكشاف للزمخشري (٢/ ٩١)، النشر لابن الجزري (٢/ ٢٧١).
(٥) سورة البقرة، الآيتان (٥٦، ٥٥).
(٦) سورة هود، الآيتان (٤٧، ٤٦).
(٧) تقدم الكلام على ذلك عند تفسير الآية (٥٥) من سورة آل عمران.

<<  <  ج: ص:  >  >>