للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تفسير سورة الروم [مكية]]

{بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}

{الم (١) غُلِبَتِ الرُّومُ (٢)}

كان المسلمون بمكة يحبون أن يظهر الروم على فارس؛ لأن الروم أهل كتاب، وأهل فارس مجوس يعبدون النار؛ فجاء الخبر أن الروم تواقعوا هم والكفار فغلبت الروم وانتصرت فارس، فعيّر الكفار المؤمنين؛ هؤلاء الكفار من أهل الروم إخوانكم وقد ظهرنا عليهم، وليظهرننا الله عليكم، فقال أبو بكر للقائل: والله لتغلبن الروم فارس؛ فقال له أبيّ بن خلف: ناحبني (١) على ذلك - أي: راهنّي - فناحبه على ذلك، وأن على كل من غلب بعد ثلاث سنين عشر قلاص (٢) فبلغ أبو بكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: "زد في الرّهن وزد في المدّة؛ فإنّ البضع يكون تسع سنين" (٣) فراهنه على مائة قلوص وعلى مائة من الإبل، يكون ذلك على من غلب منهما، فغلبت الروم فارس يوم الحديبية. - وقيل:

يوم بدر - وأخذ أبو بكر - رضي الله عنه - القلاص من تركة أبي بن خلف، وجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: تصدّق به، وكان ذلك بعد تحريم القمار (٤).

والغلب والغلب مصدران، والذي في الآية يجوز أن يكون مضافا إلى الفاعل وإلى المفعول؛ بناء على القراءتين؛ فمن قرأ: {غُلِبَتِ الرُّومُ} فهو مضاف إلى الفاعل، ومن قرأ بضم الغين (٥) فهو مضاف إلى المفعول، وهذا الخلاف مثل الخلاف في قوله:


(١) ناحبني: من المناحبة وهي المخاطرة والمراهنة. ينظر: لسان العرب (نحب).
(٢) القلاص: جمع القلوص: وهي أول ما يركب من إناث الإبل إلى أن تثني فإذا أثنت فهي ناقة، والقعود: أول ما يركب من ذكور الإبل إلى أن يثني فإذا أثنى فهو جمل، وربما سموا الناقة الطويلة القوائم قلوصا، وقد تسمى قلوصا ساعة توضع، والجمع من كل ذلك: قلائص وقلاص وقلص وقلصان جمع الجمع وحالبها القلاص. ينظر: لسان العرب (قلص).
(٣) رواه الترمذي رقم (٣١٩١)، والطبري في تفسيره (٢١/ ١٧)، ونسبه السيوطي في الدر المنثور (٥/ ٢٩٠) لابن أبي حاتم والبيهقي. وضعفه الشيخ الألباني في ضعيف الترمذي رقم (٦٢٤).
(٤) ذكره السيوطي في الدر المنثور (٦/ ٤٧٩) ونسبه لأبي يعلى وابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر.
(٥) قرأ جمهور القراء "غلبت" بالبناء لما لم يسم فاعله وقرأ علي بن أبي طالب وأبو سعيد الخدري -

<<  <  ج: ص:  >  >>