للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تفسير سورة المدثر [مكية]]

{بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}

{يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١) قُمْ فَأَنْذِرْ (٢) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (٣) وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ (٤)}

{الْمُدَّثِّرُ} لابس الدثار، وهو ما فوق الشّعار، والشّعار: الثوب الذي يلي الجسد، وفي الحديث، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الأنصار شعار، والناس دثار" (١).وأدغمت التاء في الدال في "المدثر"؛ كما أدغمت التاء في الزاي في "المزمل".

وقيل: هي أول سورة نزلت. وعن الزهري: أول ما نزل {اِقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} إلى قوله {ما لَمْ يَعْلَمْ} (٢) ثم انقطع الوحي، فحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يصعد على رؤوس الجبال، فيهمّ أن يلقي نفسه، فيعترضه جبريل فيقول: لا تفعل؛ فأنت رسول الله " (٣).وقيل: سمع من قريش ما يكرهه، فاغتم فتدثر، فنزلت، فأمر ألا يدع إنذارهم. {وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ} أي: من النجاسات واجبا في الصلوات، ومستحبا في غيرها. وقيل: وطهر؛ أي: فقصر، وكانت العرب يجرون ذيلهم وراءهم، فنهوا عن ذلك. وقيل: أمر بتطهير النفس من سوء الأخلاق، وجميع المكروهات؛ لأن الثوب يلابس الإنسان، ويشتمل عليه، فيعبر عنه به، ويبدل منه بدل الاشتمال، فيقول: أعجبني زيد حسنه، وأعجبني زيد عقله، وأعجبني ثوبه. ويقولون: المجد في ثوبه، والكرم تحت حلّته؛ ولأن الغالب أن من طهر باطنه ونقاه عني بتطهير الظاهر وتنقيته.

{وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (٥) وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (٦) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (٧) فَإِذا نُقِرَ فِي النّاقُورِ (٨) فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ}


(١) رواه البخاري رقم (٤٣٣٠)، ومسلم رقم (١٠٦١)، عن عبد الله بن زيد رضي الله عنه.
(٢) سورة العلق، الآيات (١ - ٥) قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم (٢/ ٢٠٧):" قوله: إن أول ما أنزل قوله تعالى: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ضعيف بل باطل، والصواب أن أول ما أنزل على الإطلاق اِقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ كما صرح به فى حديث عائشة - رضي الله عنها - وأما يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ فكان نزولها بعد فترة الوحي كما صرح به في رواية الزهري عن أبي سلمة عن جابر والدلالة صريحة فيه، ثم قال: فالصواب أن أول ما نزل "اقرأ" وأن أول ما نزل بعد فترة الوحي يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ وأما قول من قال من المفسرين: أول ما نزل الفاتحة فبطلانه أظهر من أن يذكر والله أعلم ".
(٣) رواه الطبري في تفسيره (٢٩/ ١٤٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>