للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تفسير سورة غافر (المؤمن) [مكية]]

{بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}

{حم (١) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٢) غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (٣)}

قوله تعالى: {التَّوْبِ} هو الرجوع عن المعصية؛ يقال: آب وتاب وثاب، بمعنى رجع قوله تعالى: {ذِي الطَّوْلِ} الطول: الإفضال والزيادة؛ يقال: طال فلان على فلان: إذا تفضل عليه. فإن قلت: لم فرقت هذه الصفات؛ فجعل بعضها نكرة وبعضها معرفة؟ قلت: أما {غافِرِ الذَّنْبِ} و {وَقابِلِ التَّوْبِ} فهما معرفتان؛ لأنه لم يرد بهما حدوث الفعلين؛ بل هي صفة دائمة؛ كقولك: سيد العبيد وأما قوله: {شَدِيدِ الْعِقابِ} فمشكل لأنه في معنى حدوث الفعل، وقد جعله الزجاج (١) بدلا. والحكم عليه بالبدلية دون ما سواه من الصفات المقترنة تحكّم. والوجه أن يقال: إذا ثبت أن هذا بدل فدل على أن الكل محكوم عليه بالبدلية؛ ولأن عذاب الله وشدة عقابه موصوف بالعظم؛ فيكون الجميع وصفا (٢).

{ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ (٤) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ (٥) وَكَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحابُ النّارِ (٦) الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (٧)}

سجل - سبحانه وتعالى - على المجادلين في آيات الله بأنهم كفار والمراد بالجدل: الجدال بالباطل والطعن فيها، ويدل على ذلك قوله: {وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ} فأما الجدال فيها بحل مشكلها وتفصيل مجملها ففيه ثواب عظيم لا يقدر قدره، ومن حق المؤمن ألا يغتر بكثرة إمهال الفاسق {إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ} (٣)


(١) ينظر: معاني القرآن وإعرابه للزجاج (٤/ ٣٦٦).
(٢) هذا قول الزمخشري في الكشاف (٤/ ١٤٩).
(٣) سورة آل عمران، الآية (١٧٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>