للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تفسير سورة "انشقت" [الانشقاق] [مكية]]

{بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}

{إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ (١) وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ (٢) وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (٣) وَأَلْقَتْ ما فِيها وَتَخَلَّتْ (٤) وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ (٥) يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ (٦) فَأَمّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ (٧) فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً (٨)}

حذف جواب "إذا" ليذهب المقدر كل مذهب، أو اكتفى بما علم في مثلها من سورة التكوير والانفطار. وقيل: جوابها ما دل عليه {فَمُلاقِيهِ} أي: إذا انشقت السماء لاقى الإنسان كدحه. ومعناه: تنشق بالغمام؛ لقوله: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ} (١).

وعن علي رضي الله عنه: تنشق من المجرّة (٢).

{وَأَذِنَتْ} استمعت له، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أذن الله لشيء كإذنه لنبي يتغنى بالقرآن" (٣).والمعنى: أنها فعلت حين امتثال أمر الله ما يفعله المجتهد في الطاعة من بذل الجهد. {وَحُقَّتْ} من قولك: هو محقوق بكذا وحقيق به، وهي حقيقة بأن تنقاد ولا تمتنع.

والقصد: أن كل من عمت قدرته دخل فيها كل مقدور.

{مُدَّتْ} من مد الشيء فامتد، وهو أن تدك جبالها وآكامها. وقيل: مدت مد الأديم العكاظي؛ لأن الأديم إذا مد زال كل انثناء فيه واستوى. أو من مده بمعنى أمده، أي: زيدت سعة وبسطه. {وَأَلْقَتْ ما فِيها} مما دفن في بطنها من الموتى والكنوز.

{وَتَخَلَّتْ} وخلت غاية الخلو فكأنها تكلفت أقصى الجهد في الخلو كما يقال: تكرم الكريم وترحم الرحيم، إذا بلغا جهدهما في الكرم والرحمة، وتكلفا فوق ما في طبعهما {وَأَذِنَتْ لِرَبِّها} في إلقاء ما في بطنها. الكدح: جهد النفس في العمل، والكد فيه حتى يؤثر فيها من كدح جلده: إذا خدشه، ومعنى {كادِحٌ إِلى رَبِّكَ} جاهد إلى اللقاء وهو الموت وما بعده من الحال الممثلة باللقاء. {فَمُلاقِيهِ} فملاق له لا محالة، لا مفر لك منه.


(١) سورة الفرقان، الآية (٢٥).
(٢) ذكره الزمخشري في الكشاف (٤/ ٧٢٥).
(٣) رواه البخاري رقم (٢٥٤٤)، ومسلم رقم (٧٩٢) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>