للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تفسير سورة المنافقون [مدنية]]

{بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}

{إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ (١) اِتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ (٣)}

أرادوا بقولهم: {نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ} شهادة واطأت قلوبهم فيها ألسنتهم؛ فقال الله عز وجل: قالوا ذلك {وَاللهُ يَعْلَمُ} أن الأمر كما يدلّ عليه قولهم: {إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ،} {وَاللهُ يَشْهَدُ} إنهم {لَكاذِبُونَ} في قولهم {نَشْهَدُ} وادعائهم فيه المواطأة، وأنهم كاذبون فيه، لأنه إذا خلا عن المواطأة لم تكن شهادة في الحقيقة، فهم كاذبون في تسميته شهادة، أو أراد:

والله يشهد إنهم لكاذبون عند أنفسهم؛ لأنهم كانوا يعتقدون أن قولهم: إنك لرسول الله كذب.

فإن قلت: أي فائدة في قوله: {وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ}؟ قلت: لو قال:" نشهد إنك لرسول الله والله يشهد إنهم لكاذبون "لكان يوهم أن قولهم هذا كذب، فوسط بينهما قوله:

{وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ} ليميط هذا الإيهام. يجوز أن يكون قوله: {اِتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ} قولهم:

{نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ} فجعل هذا اللفظ يمينا، وقد اختلف فيه العلماء؛ فبعضهم يقول: هو يمين إذا نواها. وقيل: اتخذوا أيمانهم في معاملاتهم وأحوالهم أن يحلفوا بالله كاذبين. وقوله:

{آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا} والمنافقون لم تكن لهم حالة إيمان قط - معناه: أنهم آمنوا، أي: نطقوا بالإيمان كما ينطق به المؤمنون المخلصون، أو نطقوا بالإيمان عند المؤمنين، وبالكفر عند الكافرين؛ استهزاء بالإسلام؛ كقوله: {وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنّا *} إلى قوله: {إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ} (١) ويجوز أن يراد أهل الردة منهم. {وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ} كان عبد الله بن أبي بن سلول جميل الصورة ممتلئ الجسم، فصيح اللسان، وكانوا يجلسون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد مستندين. قيل: إن (٣٠٢ /أ) الخشب إنما ينتفع به إذا كان مستندا إلى شيء؛ بأن يكون سعفا لجدران تحمله أو أبواب مغلقة، فما دام خاليا كان مسندا إلى الحائط؛


(١) سورة البقرة، الآية (١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>