للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تفسير سورة المجادلة [مدنية]]

{بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}

{قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ وَاللهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (١) الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلاَّ اللاّئِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (٢)}

{قَدْ سَمِعَ اللهُ} قالت عائشة رضي الله عنها: "الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات، لقد كلمت المجادلة رسول الله صلى الله عليه وسلم في جانب البيت وأنا عنده لا أسمع، وسمع قولها" (١).

والمرأة خولة بنت ثعلبة، امرأة أوس بن الصامت، رآها وهي تصلي، وكانت حسنة الجسم، فلما سلّمت راودها عن نفسها فأبت فغضب، وكان به خفة فظاهر منها؛ وأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أوسا تزوجني وأنا شابة مرغوب فيّ، فلما أفنى شبابي ونثرت أفلاذ كبدي جعلني عليه كأمه. وروي أنها قالت: إن لي صبية صغارا إن ضممتهم إليه ضاعوا، وإن ضممتهم إلي جاعوا؛ فقال صلى الله عليه وسلم: "ما عندي في أمرك شيء" (٢).

وروي أنه قال لها: حرمت عليه فقالت: أشكو إلى الله فاقتي ووحدتي، كلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حرمت عليه شكت. فنزلت: {فِي زَوْجِها} في شأنه (٣). يسمع كل مسمع ويبصر كل مبصر. {الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ} في {مِنْكُمْ} توبيخ للعرب، وتهجين لعادتهم في الظهار.

{ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ} أي: ليسوا بأمهات لهم وقد جعلها المظاهر أمّا؛ فكأن هذا القول {مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً} منكرا تنكره الحقيقة، وتنكره الأحكام الشرعية، {وَزُوراً} كذبا باطلا، {وَإِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ} لما سلف إذا تيب عنه

{وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا ذلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٣) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ}


(١) رواه أحمد رقم (٢٣٠٦٤)، والنسائي رقم (٣٤٠٦)، وابن ماجه رقم (١٨٨) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه رقم (١٥٥).
(٢) ذكره الزيلعي في تخريج الأحاديث والآثار (٣/ ٤٢٣) وقال: رواه البيهقي والدارقطني في سننيهما بروايات مختلفة وفي سنن أبي داود منه شيء يسير وكذلك الطبراني في معجمه.
(٣) ذكره الزيلعي في تخريج الأحاديث والآثار (٣/ ٤٢٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>