للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تفسير سورة تبت [المسد] [مكية]]

{بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}

{تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (١) ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ (٢) سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ (٣) وَامْرَأَتُهُ حَمّالَةَ الْحَطَبِ (٤) فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (٥)}

المراد بقوله: {تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ} هلاك جملته. روي أنه لما نزل {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} (١) صعد النبي صلى الله عليه وسلم الصفا. فقال: يا صباحاه. فاجتمع عليه الملأ من قريش، فقال لهم: "أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلا بسفح هذا الجبل تريد أن تغير عليكم، أكنتم مصدقيّ؟ قالوا: نعم ما جربنا عليك كذبا، قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد، فقال أبو لهب:

تبا لك، ألهذا جمعتنا؟ فنزلت: {تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ} (٢).

وإنما كنّاه، والكناية تكرمة، إما أن يكون مشتهرا بالكنية دون الاسم، وإما لأن اسمه كان عبد العزى، فعدل عن هذا الاسم القبيح، إلى أبي لهب، وإما لأنه كان ذا مال، وماله إلى نار ذات لهب، فوافقت حاله كنيته.

وقيل: كنى بذلك لتلهب وجنتيه وإشراقهما، فيجوز أن يذكر بذلك تهكما به، وبافتخاره بذلك. {ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ} الذي كسبه وما ورثه من أبيه. {سَيَصْلى} تحقيقا للوعيد، وأنه كائن لا محالة، وإن تراخى وقته.

{وَامْرَأَتُهُ} هي أم جميل بنت حرب، أخت أبي سفيان وكانت تحمل حزمة من الشوك، فتطرحها في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين. وقيل: كانت تمشى بالنميمة، وقد توسل إلى رسول الله بجميل من أحب شتم أم جميل. الجيد: العنق. المسد: الذي فتل من الحبال فتلا شديدا، من ليف أو جلد أو غيرهما، ويحتمل أن يكون حالها في جهنم كحالها في الدنيا، مجموع إليها حزمة من حطب متقدة نارا عليها؛ لجرأتها بفعلها.

***


(١) سورة الشعراء، الآية (٢١٤).
(٢) رواه البخاري رقم (٣٥٢٥، ١٣٩٤)، ومسلم رقم (٣٥٦، ٣٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>