[تفسير سورة الحاقة [مكية]]
{بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}
{الْحَاقَّةُ (١) مَا الْحَاقَّةُ (٢) وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ (٣) كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعادٌ بِالْقارِعَةِ (٤)}
{الْحَاقَّةُ} الساعة القليلة الوقوع الثابتة (٣١٠ /أ) المجيء، أو التي تحق فيها الأمور أي:
تعرف على الحقيقة؛ تقول: لا أحق هذا الأمر؛ أي: لا أعرف حقيقته جعل الفعل لها وهو لأهلها، وارتفاعها على الابتداء وخبرها {مَا الْحَاقَّةُ} تفخيما لشأنها وتعظيما لهولها والأصل: وما أدراك ما هي؛ فأوقع الظاهر موقع المضمر؛ لأنه أهول لها؛ أي: وأي شيء أعلمك؛ يعني: إنك لا علم لك بهولها، فكيفما قدرت حالها فهي أعظم من ذلك، و" ما " رفع بالابتداء، و {أَدْراكَ} معلق عنه؛ لأن الاستفهام لا يعمل ما بعده فيما قبله.
والقارعة: التي تقرع الناس بالإفزاع، وتقرع السماء بالانشقاق والانفطار، والأرض والجبال بالدك والنسف، والنجوم بالطمس والانتثار، ولما فخم أمر الساعة وعظمه أتبع ذكر ذلك ذكر من كذب بها تخويفا لأهل مكة من عقوبة تكذيبهم.
{فَأَمّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطّاغِيَةِ (٥) وَأَمّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ (٦) سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ (٧)}
{بِالطّاغِيَةِ} بالواقعة المجاوزة الحد في الشدة. وقيل: المراد بالطاغية: الصيحة. وقيل:
الرجفة. وقيل: الصاعقة. قيل: هلكوا بصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين. وقيل: الطاغية:
مصدر؛ كالعاقبة والعافية؛ أي بطغيانهم، وليس بالقوي؛ لعدم المطابقة بينها وبين قوله:
{بِرِيحٍ صَرْصَرٍ} الصرصرة: الصوت الشديد. وقيل: الباردة؛ من الصّرّ وهو البرد؛ كأنها التي ضوعف فيها البرد؛ فهي تحرق بشدة بردها. {عاتِيَةٍ} شديدة العتو أي: عتت على عاد، فلم يقدروا على ردها بحيلة من استتار بناء أو لياذ بجبل، واختفاء في حفيرة، فإنها كانت تنزعهم من مكانهم. وقيل: عتت على خزانها؛ فخرجت بلا كيل ولا وزن.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم:" ما أرسل الله سفينة من ريح إلا بمكيال إلا قوم عاد، وقوم نوح؛ لأن الماء يوم إهلاك قوم نوح طغى على الخزان، ثم قرأ: {إِنّا لَمّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ} أي: في