للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تفسير سورة القدر [مكية]]

{بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}

{إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (١)}

عظم القرآن من ثلاثة أوجه، أحدها: أن أسند إنزاله إليه بقوله: {إِنّا أَنْزَلْناهُ}. والثاني:

أنه جاء بضميره دون اسمه الظاهر، شهادة له بالشاهد، والاستغناء عن التنبيه عليه.

والثالث: الرفع من مقدار الوقت الذي ابتدئ النزول فيه. وروي أنه أنزل جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا، وأملاه جبريل على السفرة، ثم كان ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم نجوما في ثلاث وعشرين سنة.

وأكثر العلماء على أن ليلة القدر في شهر رمضان، ولعل الداعي إلى إخفائها أن يجتهد من يقوم الليل لطلبها الشهر كله أو السنة كلها؛ ليظفر بها.

{وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ (٢) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (٣) تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (٤) سَلامٌ هِيَ حَتّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (٥)}

{لَيْلَةُ الْقَدْرِ} ليلة تقدير الأمور {فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} (١) وشرفها على سائر الليالي {وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ} يعنى: ولم يبلغ درايتك فضلها ثم بين ذلك بقوله: {خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} فضّلها إلى هذه الغاية؛ لما يكتب فيها، وينزل من الملائكة والوحي والرحمة، وروي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في هذه الآية: "إن رجلا من بني إسرائيل حمل السلاح ألف شهر في سبيل الله فسمع (٣٤٥ /ب) أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتقاصرت إليهم أعمالهم، فأعطى الله هذه الأمة هذه الليلة؛ لتقوم مقام الألف الشهر التي حمل فيها ذلك الإسرائيلي السلاح" (٢).

{تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ} إلى سماء الدنيا وقيل: إلى الأرض، أي: تنزل بكل مرضاة الله في تلك السنة إلى قابل. وقيل: {مِنْ كُلِّ أَمْرٍ} أي: من أجل كل إنسان.

{سَلامٌ هِيَ} لكثرة من يسلم من الملائكة على بني آدم.


(١) سورة الدخان، الآية (٤).
(٢) نسبه الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديث الكشاف (ص: ١٨٦) لابن أبي حاتم وغيره من طريق ابن خالد عن أبي نجيح عن مجاهد مرسلا دون قوله: "فتقاصرت إليهم أعمالهم".

<<  <  ج: ص:  >  >>