للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تفسير سورة الملك [مكية]]

{بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}

{تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (٢)}

{تَبارَكَ} تعالى وتعاظم عن صفات المخلوقين. {الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ} من الممكنات {قَدِيرٌ} وذكر اليد مجاز في الاستيلاء على الشيء والتصرف فيه. والمراد ب‍ {الْمَوْتَ وَالْحَياةَ} وجود ذلك منه، والمعنى: خلق موتكم وحياتكم أيها المكلفون {لِيَبْلُوَكُمْ} عاملكم معاملة المبتلى والمختبر {أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} أخلصه وأصوبه؛ لأنه إذا كان خالصا غير صواب لم يقبل، وإذا كان صوابا غير مخلص لم يقبل؛ يعني: أعطاكم الحياة التي تسلطون بها على العمل، وسلط عليكم الموت الذي بعده البعث والجزاء، وذلك هو الذي يوجب اختيار الأعمال الحسنة، واجتناب السيئة، وقدم الموت على الحياة؛ لأن أعبد العباد من نصب الموت بين عينيه.

{وَهُوَ الْعَزِيزُ} الغالب {الْغَفُورُ} لمن تاب ولمن لم يتب.

{الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ (٣) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ (٤)}

{طِباقاً} بعضها فوق بعض التفاوت: عدم التناسب. وقوله: {فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ} من وضع الظاهر موضع المضمر، والمضمر: ما ترى في خلقه من تفاوت. والخطاب في {ما تَرى} للرسول صلى الله عليه وسلم أو لكل مخاطب {فَارْجِعِ الْبَصَرَ} الفاء للسببية، والتقدير: لا تفاوت فيها وإذا ثبت ذلك فردد النظر مرارا لتستيقن عدم التفاوت. {مِنْ فُطُورٍ} من صدوع وشقوق، مأخوذة من فطر ناب البعير: إذا شق. {يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ} أي: إذا رجع بعد التأمل والاجتهاد رجع خائبا لم يظفر بما طلب من الشق والعيب، ويقال خسأت الكلب: إذا طردته، ومنه: {قالَ اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ} (١) وحسر يحسر: إذا أعيا، ومنه:


(١) سورة المؤمنون، الآية (١٠٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>