للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[سورة طه [مكية]]

{بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}

{طه (١) ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى (٢) إِلاّ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى (٣) تَنْزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّماواتِ الْعُلى (٤) الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى (٥)}

قوله تعالى: {طه} فيه الأقاويل المذكورة في الحروف التي في أوائل السور، ونزيد هاهنا أن {طه} معناه: يا رجل، واحتج هذا القائل بقول الشاعر [من البسيط]:

إنّ السّفاهة طه من خليقتكم ... لا قدّس الله أرواح الملاعين (١)

قالوا: وأثر الافتعال ظاهر على هذا البيت، فلم تصح نسبته إلى العرب.

وكان النبي صلّى الله عليه وسلم يكثر من الصلاة بالليل حتّى تورّمت قدماه؛ فقيل له في ذلك، فقال:

"أفلا أكون عبدا شكورا"؟ ونزلت: {ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى} (٢).

أي: لتكلف نفسك ما لا طاقة لها به. وقوله: {لِتَشْقى} لا يصح أن يكون مفعولا من أجله؛ لأن علة الفعل هي التذكرة، وهي فعل فاعل الفعل المعلل؛ بخلاف الشقاوة؛ فإنها ليست من فعله؛ فدخلت في {لِتَشْقى} دون التذكرة. {إِلاّ تَذْكِرَةً} استثناء من غير الجنس؛ لأن التذكرة ليست من الشقاوة في شيء (٣).

وصف نفسه بكونه رحمانا؛ لكونه خلق الأرض والسماوات العلى؛ لما في خلقهما من مصالح العباد؛ فإن أكثر مصالح العالم الجسمانية متعلقة بالأرض والسماء؛ لما في قرب الشمس في زمن الصيف من إنضاج الفواكه والحبوب؛ ولما ينزل من السماء في الشتاء من


(١) ينظر البيت في: البحر المحيط لأبي حيان (٦/ ٢٤٤)، تفسير القرطبي (١١/ ١٤٩)، الدر المصون للسمين الحلبي (٥/ ٣)، الكشاف للزمخشري (٣/ ٥٠).
(٢) رواه البخارى رقم (٤٨٣٧)، ومسلم رقم (٢٨٢٠) عن عائشة - رضي الله عنها.
(٣) قال الزمخشري في الكشاف (٣/ ٥٠ - ٥١): "ويحتمل أن يكون المعنى: إنا أنزلنا عليك القرآن لتحتمل متاعب التبليغ ومقاولة العتاة من أعداء الإسلام ومقاتلتهم وغير ذلك من أنواع المشاق وتكاليف النبوة وما أنزلنا عليك هذا المتعب الشاق إلا ليكون تذكرة. وعلى هذا الوجه يجوز أن يكون تذكرة حالا ومفعولا له".

<<  <  ج: ص:  >  >>