جواب القسم كما في" ص ". و {الْمَجِيدِ} ذو الشرف على غيره من الكتب، ومن اتبع أوامر القرآن فقد مجد عند الله وهو بسبب من الله المجيد؛ فجاز اتصافه بصفته.
أنكر تعجبهم مما ليس بعجب وهو أن يبعث الله رسولا إلى خلقه ويؤيده بالمعجزات، وإذا علم ذلك الرسول أن خطبا شديدا يدهمهم بإدراك إنذارهم وتحذيرهم فكيف بما هو أشد المحذورات وهو بعث الكفار معهم الكفر. والعجب تعجبهم من ذلك وهو خلقهم أول مرة وأنه خلق السماوات والأرض وهو أكبر من خلق الناس، ووضع الكافرون موضع المضمر للدلالة على أن إقدامهم على هذا التعجب كفر، ولفظة {هذا} إشارة إلى الرجعة و {أَإِذا} منصوب بمضمر تقديره: أنبعث إذا كنا ترابا؟ وقوله {ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ} إما من كلام الله، أو حكاية عنهم أنهم قالوه، وقرئ" إذا "(١) على الخبر، وهو أيضا منكر من كلامهم، والدليل على إنكاره:{ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ} وقيل: إن الرجع بمعنى الرجوع؛ فيكون العامل في الظرف محذوفا وهو الذي دل عليه المنذر. {قَدْ عَلِمْنا} رد على استبعادهم الرجعة؛ لأن من اتسع علمه حتى علم ما تأكله الأرض من لحومهم وأجزائهم ولم يخف عليه أين تلك الأجزاء وكان قادرا لا يعجزه شيء في السماوات ولا في الأرض قدر على أن يحيي الموتى.
قوله:{وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ} أي: محفوظ من الاختلاف والتغيير، أو من الشياطين، أو حافظ لما وضع فيه. {بَلْ كَذَّبُوا} إضراب عن الإنكار الأول؛ لأن الثاني أشد من الأول وهو تكذيبهم الرسل المؤيدين بالمعجزات في أول وهلة، ولم يتدبروا ولم يتفكروا؛ بل كذبوا في أول
(١) قرأ بها ابن عامر في رواية عنه وأبو جعفر والأعمش والأعرج. تنظر في: البحر المحيط لأبي حيان (٨/ ١٢٠)، الدر المصون للسمين الحلبي (٦/ ١٧٤)، فتح القدير للشوكاني (٥/ ٧١)، الكشاف للزمخشري (٤/ ٤)، المحتسب لابن جني (٢/ ٢٨١).