للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تفسير سورة الشمس [مكية]]

{بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}

{وَالشَّمْسِ وَضُحاها (١) وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها (٢) وَالنَّهارِ إِذا جَلاّها (٣) وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها (٤) وَالسَّماءِ وَما بَناها (٥) وَالْأَرْضِ وَما طَحاها (٦) وَنَفْسٍ وَما سَوّاها (٧) فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها (٨) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكّاها (٩)}

{وَضُحاها} ضوءها إذا أشرقت وقام سلطانها، ولذلك قيل: وقت الضحى، وكأن وجهه شمس الضحى. وقيل: وقت الضحوة: ارتفاع النهار. (٣٤١ /ب) والضّحى فوق ذلك.

والضّحى - بالفتح والمد -: إذا امتد النهار. {إِذا تَلاها} طالعا عند غروبها، آخذا من نورها، وذلك في النصف الأول من الشهر. وقيل: إذا استدار، فتلاها في النور والضياء. {إِذا جَلاّها} وذلك عند ارتفاع النهار. وقيل: الضمير للدنيا أو للظلمة أو للأرض، وإن لم يجر لها ذكر.

تقول العرب: أصبحت باردة، يريدون الغداة، وأرسلت: يريدون السماء. {إِذا يَغْشاها} فتغيب وتظلم. فإن جعلت الواوات عاطفة فقد وقعت في العطف على عاملين، وإن جعلتها أقساما وقعت فيما أنكره الخليل وسيبويه (١)؛ لأن واو القسم مطرح معها إبراز الفعل اطراحا كليا، ولا يكون من العطف على عاملين فكانت الواو قائمة مقام الفعل، والباء سادة مسدهما معا، والواوات العواطف نائبة عن هذه الواو، فحقهن أن يكن عوامل عمل الفعل والجار جميعا؛ كما تقول: ضرب زيد عمرا وبكرا خالدا، فترفع بالواو، وتنصب؛ لقيامها مقام ضرب، الذي هو عاملها (٢). جعلت "ما" مصدرية في قوله: {وَما بَناها،} {وَما طَحاها،} {وَما سَوّاها} وليس بالوجه؛ لقوله: {فَأَلْهَمَها} وما يؤدي إليه من فساد النظم.

والوجه أن تكون موصولة، وإنما أوثرت على {مَنْ؛} لإرادة معنى الوصفية، كأنه قيل:

والسماء والقادر العظيم الذي بناها، والحكيم الباهر الحكمة الذي سواها، ونكّرت النفس إما لأنه أراد بها نفسا بعينها، وهي نفس آدم، أو أراد كل نفس، ونكّر للتكثير؛ كقوله:


(١) ينظر: الكتاب لسيبويه (١/ ٣١).
(٢) وهو قول الزمخشري في الكشاف (٤/ ٧٥٨ - ٧٥٩)، واعترضه أبو حيان في البحر المحيط في بعض ما ذهب إليه، ورد السمين الحلبي بعض ما اعترضه شيخه أبو حيان على الزمخشري.
ينظر تفصيل ذلك في: البحر المحيط (٨/ ٤٨٠)، الدر المصون (٦/ ٥٢٩ - ٥٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>