للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تفسير سورة الفتح [مدنية]]

{بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}

{إِنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً (١)}

هو فتح مكة، وقد نزلت مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من مكة عام الحديبية (٢٦٥ /أ) عدة له بالفتح وجيء بها بالفعل الماضي على عادته سبحانه في أخبار الآخرة؛ كقوله: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ} (١) {وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ} (٢) {وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ} (٣) وجعل فتح مكة علة للمغفرة ولما انضم إليه، وهو إتمام النعمة عليه وهدايته والنصر على الأعداء، ويجوز أن يكون فتح مكة - من جهة كونه جهادا - سببا للثواب والغفران، والفتح والظفر بالبلد عنوة أو صلحا بحرب وغير حرب. وقيل: فتح الحديبية؛ ولم يكن فيها قتال شديد، ولكن تراموا بسهام وحجارة. وعن ابن عباس: رموا المشركين حتى أدخلوهم ديارهم (٤). وقيل:

ظهروا عليهم حتى سألوا الصلح. فإن قلت: كيف يكون صلحا وقد أحصروا حتى نحروا الهدي بالحديبية وهي من الحل؟ قلت: كان ذلك قبل الهدنة، فلما تم الصلح وثبت كان فتحا مبينا. وقيل: قال رجل عند مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من الحديبية: ما هذا بفتح؛ لقد أحصرنا وصدّ هدينا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ليس الكلام هذا، بل هو أعظم الفتوح؛ قنع المشركون أن يدفعوكم بالراحات، وسألوكم القضية، ورغبوا إليكم في الأمان، ورأوا منكم ما يكرهون" (٥).

قال الشعبي: بويع له بيعة الرضوان، وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وظهرت الروم على فارس، وبلغ الهدي محله، وأطعموا نخل خيبر، ونزحت بئر الحديبية فمضمض النبي صلى الله عليه وسلم ومج فيها فجاشت بالماء حتى أروت كل من نزل بالحديبية (٦).


(١) سورة الزمر، الآية (٦٨).
(٢) سورة النمل، الآية (٨٧).
(٣) سورة الفجر، الآية (٢٢).
(٤) ذكره الزمخشري في الكشاف (٤/ ٣٣٢).
(٥) نسبه الزيلعي في تخريج الأحاديث والآثار التي في الكشاف (٣/ ٣٠٥) للبيهقي في دلائل النبوة.
(٦) رواه البخاري رقم (٣٣١٢)، وأحمد في المسند رقم (١٧٨٢٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>