للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تفسير سورة الصافات [مكية]]

{بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}

{وَالصَّافّاتِ صَفًّا (١) فَالزّاجِراتِ زَجْراً (٢) فَالتّالِياتِ ذِكْراً (٣) إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ (٤)}

أقسم سبحانه بطوائف الملائكة أو بنفوسهم {وَالصَّافّاتِ} أقدامها في الصلاة؛ من قوله:

{وَإِنّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ} (١) أو أجنحتها في الهواء واقفة منتظرة لأمر الله. {فَالزّاجِراتِ} السحاب سوقا. {فَالتّالِياتِ} لكتب الله المنزلة وغيرها. وقيل: {وَالصَّافّاتِ} الطير؛ لقوله: {وَالطَّيْرُ صَافّاتٍ} (٢) والزاجرات: كل شيء نهى عن معصية الله. والتاليات: كل من تلا كتاب الله، ويجوز أن يراد طوائف العلماء الصافات أقدامهم في قيام الليل وأفعال الخير، وسائر الصلوات وصفوف الجماعات؛ فالزاجرات بالمواعظ والنصائح، فالتاليات آيات الله والدارسات شرائعه، أو بنفوس قواد الغزاة في سبيل الله التي تصف الصفوف، وتزجر الخيل للجهاد، وتتلو الذكر، لا يشغلها عنه شغل. والفاء الواقعة بين أنواع المقسم به إما للترتيب في الوجود؛ كقول الشاعر [من السريع]:

يا ويح زيّابة للحارث ... الصالح فالغانم فالآيب (٣)

فإن هذه الأمور جاءت على ترتيب الوجود، وإما لترتيبها في الفضيلة؛ كقولك:

اصحب الأفضل فالأفضل، وافعل الأجمل فالأجمل. وإما على ترتيب موصوفاتها في ذلك؛ كقوله: "رحم الله المحلقين فالمقصرين" (٤).رتب التقصير على الحلق؛ فإن الحلق أفضل؛ فإذا وحدت الصفات كانت على ترتيب الصفات، وإن ثنيت أو جمعت كانت على ترتيب الموصوفات.


(١) سورة الصافات، الآية (١٦٥).
(٢) سورة النور، الآية (٤١).
(٣) البيت لابن زيابة، ينظر في: خزانة الأدب (٥/ ١٠٧)، الدر المصون للسمين الحلبي (٥/ ٤٩٤)، الدرر اللوامع (٦/ ١٦)، شرح ديوان الحماسة للمرزوقي (ص: ١٤٧)، شرح شواهد المغني (ص: ٤٦٥)، الكشاف للزمخشري (١/ ٤١)، معجم الشعراء (ص: ٢٠٨)، مغني اللبيب (ص: ١٦٣).
(٤) أورده بهذا اللفظ الزمخشري في الكشاف (٤/ ٣٤)، وابن هشام في مغني اللبيب عن كتب الأعاريب (١/ ١٦٣)، والمرادي في الجنى الداني (ص: ٦٥). وأصله في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما بلفظ: "اللهم ارحم المحلقين، قالوا: والمقصرين، قال: اللهم ارحم المحلقين، قالوا: والمقصرين، وفي الثالثة قال: والمقصرين". [رواه البخاري رقم (١٧٢٧)، ومسلم رقم (١٣٠١)].

<<  <  ج: ص:  >  >>