للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا أجريت الصافات على الملائكة وجعلتهم جامعين - أفادت الفاء ترتيبها في الفضل؛ فيكون الفضل للصف ثم للزجر ثم للتلاوة، وإما على العكس (٢١٥ /ب) وكذلك إن أردت العلماء وقواد الغزاة. وإن أردت بالصافات الملائكة وأعدت الثانية والثالثة على طوائف أخر، فقد أفادت ترتيب الموصوفات في الفضل؛ أعني أن الصافات ذا فضل، والزاجرات ذات فضل، والتاليات، أو على العكس، وكذلك إن أردت بالصافات:

الطير، وبالزاجرات: كل ما يزجر عن معصية الله، وبالتاليات: كل نفس تتلو الذكر؛ فإن الموصوفات مختلفة.

{رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَرَبُّ الْمَشارِقِ (٥) إِنّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ (٦)}

{رَبُّ السَّماواتِ} خبر بعد خبر، أو خبر مبتدأ محذوف. والمشارق: ثلاثمائة وستون مشرقا، والمغارب مثل عددها، تشرق الشمس كل يوم في مشرق منها، وتغرب في مغرب حتى تنتهي إلى آخر المشارق والمغارب.

فإن قلت: ثنى المشارق والمغارب في سورة الرحمن؛ قال: {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (١٧)} (١). وجمع هاهنا فقال: {الْمَشارِقِ؟} قلت: أراد مشرق الصيف والشتاء ومغربهما. {إِنّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا} أي: القريبة منكم، والزينة مصدر؛ كالمشية، أو اسم لما يزان به الشيء؛ كالليقة (٢) اسم لما تلاق به الدواة؛ تقول: ألق دواتك، أي: أصلحها، وهما محتملان هاهنا؛ فإن كان مصدرا فمضاف إلى الفاعل، أي: بأن زانتها الكواكب، والمراد: زانتها الكواكب وحسنتها. وإن جعلتها اسما غير مصدر - وذلك بأن تتبع الكواكب - بيانا للزينة؛ لأن الزينة مبهمة في الكواكب وغيرها، وأن يراد مما زيّنت به الكواكب، وروي بالإضافة، وخفض الكواكب؛ أي: وضوء الكواكب، ويجوز أن يراد أشكالها المختلفة؛ كالثريا وبنات نعش، ومسايرها، وقرئ: {بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ} بتنوين "زينة" وجر "الكواكب" على الإبدال (٣).


(١) الآية (١٧).
(٢) ليقة الدواة: هي ما اجتمع في وقبتها من سوادها بمائها، ودواة ملوقة أي: مليقة إذا أصلحت مدادها. ينظر: لسان العرب (ليق).
(٣) قرأ عاصم في رواية شعبة عنه "بزينة الكواكب" وقرأ في رواية حفص عنه وكذلك قرأ حمزة "بزينة الكواكب" وقرأ الباقون "بزينة الكواكب". تنظر القراءات في: البحر المحيط لأبي حيان -

<<  <  ج: ص:  >  >>