للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[تفسير سورة ص [مكية]]

{بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}

{ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (١) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ (٢) كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنادَوْا وَلاتَ حِينَ مَناصٍ (٣)}

{ص} على الوقف، وهو المشهور، وقرئ بالكسر والفتح (١) كأمس، وأين، ويجوز أن ينتصب بحذف حرف القسم واتصال فعله (٢٢٢ /أ) كقولهم: الله لأفعلن. وامتنع صرف {ص} لأن فيها سببين: العلمية والتأنيث. فإن قيل: ما معنى قوله: {وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ} {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ؟} قلت: إذا أريد بالحروف التي في أوائل السور أنها لبيان الإعجاز، وأن القرآن مركب من الحروف التي تنظمون منها كلامكم وعجزتم عن الإتيان بمثله، ويجوز أن يكون المراد: وحق {ص} إن القرآن لمعجز لا يمكن أن يقابل بالتكذيب والشقاق. ثم القرآن يجوز أن يراد به هذه السورة، ويجوز أن يراد به جميع ما نزل.

{بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا} يكذبون عنادا وتكبرا، وقد أهلك الله تعالى أممّا كذبوا رسلهم كما فعل قومك، وسيحل بقومك ما حل بهم في الدنيا والآخرة؛ كما تقول: مررت بزيد والنسمة المباركة، ولا تريد غير زيد. والذكر: الشرف أو الموعظة أو الشهرة؛ من قولك: فلان مذكور، أي: مشهور، والتنكير في {عِزَّةٍ وَشِقاقٍ} للدلالة على عظمتها وبلوغها الغاية القصوى. وقرئ "في عرة" بالعين والراء (٢) أي: في غفلة. {كَمْ أَهْلَكْنا} وعيد شديد لأهل مكة. {فَنادَوْا} فاستغاثوا. وقرئ (نادوا بالتوبة) (٣) وليس الحين حين مناص، وتغير بذلك حكمها؛ حيث صارت لا تدخل إلا على الأزمنة، ولا يجوز ذكر اسمها وخبرها مع


(١) قرأ أبي بن كعب والحسن وابن أبي إسحاق ونصر بن عاصم وابن أبي عبلة وأبو السمأل "صاد" بكسر الصاد، وقرأ عيسى بن عمر "صاد" بالفتح.
تنظر القراءة في: البحر المحيط لأبي حيان (٧/ ٣٨٣)، تفسير القرطبي (١٥/ ١٤٢)، الدر المصون للسمين الحلبي (٥/ ٥١٩)، فتح القدير (٤/ ٤١٩)، الكشاف للزمخشري (٣/ ٣٥٨)، المحتسب لابن جني (٢/ ٢٣٠)، معاني القرآن للفراء (٢/ ٣٩٦).
(٢) قرأ بها الكسائي في رواية سورة وحماد بن الزبرقان وأبو جعفر والجحدري والعقيلي وغيرهم.
تنظر في: البحر المحيط لأبي حيان (٧/ ٣٨٣)، الكشاف للزمخشري (٣/ ٣٥٩).
(٣) نسبها الزمخشري في الكشاف (٤/ ٧١) للحسن من قوله، وليست قراءة.

<<  <  ج: ص:  >  >>