للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تفسير سورة الفلق [مكية]]

{بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}

{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (١) مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ (٢) وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ (٣) وَمِنْ شَرِّ النَّفّاثاتِ فِي الْعُقَدِ (٤) وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ (٥)}

{الْفَلَقِ} هو الصبح، ومنه {فالِقُ الْإِصْباحِ} (١) لأن الليل ينفلق عن الصبح، ولذلك كل شيء انفلق كالحب والنوى، وكالأرض بالنبات، والجبال عن العيون، والسحاب عن المطر. والأرحام عن الأولاد. وقيل: هو واد، أو جبّ في جهنم لقولهم فيما اطمأن من الأرض: الفلق، والجمع: فلقان. {مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ} من شر خلقه ومضارة بعضهم بعض؛ كالضرب والشتم، والغصب والسرقة، وما يفعله غير المكلفين من الأكل والنهش واللدغ والعض؛ كالسباع والحشرات وما وضعه في الحشرات من أنواع الضرر كالإحراق للنار، والقتل في السم. و {غاسِقٍ} الليل إذا اعتكر ظلامه، من قوله - تعالى -: {إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ} (٢) ووقوبه: دخول ظلامه في كل شيء. ويقال: وقبت الشمس: إذا غابت، والتعوذ بالليل؛ لأن الانبثاث فيه أكثر، والتحذر منه أصعب، وأسند الشر إلى الليل؛ لحدوثه فيه.

{النَّفّاثاتِ} النساء السواحر، أو النفوس، أو الجماعات السواحر، وأنكر الحنفية تأثير السحر، وقالوا: هو تخييل؛ (٣٥١ /أ) لقوله - تعالى -: {فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى} (٣). واحتج الشافعي على تأثير السحر، بقوله: {إِنَّ اللهَ سَيُبْطِلُهُ} (٤) فجعل إبطاله مستقبلا، فدل على تحققه قبل الإبطال (٥). وبأن النبي صلى الله عليه وسلم سحر، كما جاء في الحديث الصحيح (٦). {إِذا حَسَدَ} إذا حصل حسده، وعمل بمقتضاه.

والحاسد إذا ظهر أثر حسده من شتم وسب أو أذى يؤمله فيأثم؛ لأنه استعان بالله على


(١) سورة الأنعام، الآية (٩٦).
(٢) سورة الإسراء، الآية (٧٨).
(٣) سورة طه، الآية (٦٦).
(٤) سورة يونس، الآية (٨١).
(٥) ينظر: الأم للإمام الشافعي (٢٥٧، ١/ ٢٥٦)، حاشية البجيرمي (٤/ ١٩٧).
(٦) تقدم تخريجه في سورة يونس، الآية (٨١).

<<  <  ج: ص:  >  >>