سرى وأسرى بمعنى واحد، ولهذا جمع بين التعدية بالباء وبين نفسه، وفي قوله:
{بِعَبْدِهِ} دليل على أنه أسري بجسده، إذ لا يطلق على الرّوح اسم العبد (١). (١٠٣ /أ)
(١) قال القاضي عياض: اختلفوا في الإسراء إلى السماوات؛ فقيل: إنه في المنام. والحق الذي عليه الجمهور: أنه أسري بجسده. قلت: اختلفوا فيه على ثلاث مقالات؛ فذهبت طائفة إلى أنه كان في المنام مع اتفاقهم أن رؤيا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وحي وحق، وإلى هذا ذهب معاوية وحكي عن الحسن، والمشهور عنه خلافه، واحتجوا في ذلك بما روي عن عائشة - رضي الله تعالى عنها -: «ما فقد جسد رسول الله صلّى الله عليه وسلم» وبقوله: «بينا أنا نائم». وبقول أنس: «وهو نائم في المسجد الحرام ... » وذكر القصة، وقال في آخرها: «فاستيقظت وأنا بالمسجد الحرام» وذهب معظم السلف إلى أنه كان بجسده وفي اليقظة، وهذا هو الحق، وهو قول ابن عباس فيما صححه الحاكم، وعدد في الشفاء عشرين نفسا قال بذلك من الصحابة والتابعين وأتباعهم، وهو قول أكثر المتأخرين من الفقهاء والمحدثين والمفسرين والمتكلمين، وذهبت طائفة إلى أن الإسراء بالجسد يقظة إلى بيت المقدس وإلى السماء بالروح، والصحيح أنه أسري بالجسد والروح في القصة كلها، وعليه يدل قوله - تعالى - سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ [الإسراء] إذ لو كان مناما لقال: بروح عبده. ولم يقل: بعبده. ولا يعدل عن الظاهر والحقيقة إلى التأويل إلا عند الاستحالة، وليس في الإسراء بجسده وحال يقظته استحالة. وقال الطبري: "والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إن الله أسرى بعبده محمد من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى كما أخبر الله عباده، وكما تظاهرت به الأخبار عن رسول الله، أن الله حمله على البراق حين أتاه به وصلى هنالك بمن صلى من الأنبياء والرسل فأراه ما أراه من الآيات، ولا معنى لقول من قال: أسرى بروحه دون جسده. لأن ذلك لو كان كذلك لم يكن فيه ما يوجب أن يكون دليلا على نبوته، ولا حجة له على رسالته، ولا كان الذين أنكروا حقيقة ذلك من أهل الشرك وكانوا يدفعون به عن صدقه فيه؛ إذ لم يكن منكرا عندهم ولا عند أحد من ذوي الفطرة الصحيحة من بني آدم أن يرى الرائي منهم في المنام ما على مسيرة سنة فكيف ما هو على مسيرة شهر أو أقل، وبعد، فإن الله إنما أخبر في كتابه أنه أسرى بعبده، ولم يخبرنا أنه أسرى بروح عبده، وليس جائزا لأحد أن يتعدى ما قال الله إلى غيره". -